كأنما لعبة الحكاية المغزولة بدقة تتفتت وتذوب بين قدمى رجلين جالا في مسرحهما المتكئ على وقائع تبدو إلى حد ما واقعية تستسلم لأقدارها المحتومة وسط ضوء باهر يغمر متنها كلما اشتهى راويها أن يستزيد كما قارئها النهم الذي يريد أن يتمدد ويتأنق ليس بوثيقة متعة مؤقتة إلى حين الانتهاء من متابعة سر التابو في تجليه الأكبر على مشهد الجنس ونوع الحكاية المغموسة في عسل اللذة. وانما بوثيقة كاملة الصلاحية. كأنك برفقة رواية (عندما توقف الزمن..!!) للكاتب السوداني محمد موسى جبارة تتوغل في متن يتنفس بالطالع يغيب غده ويصطدم بالسوانح والبوارح التي اصطفت بين أحداث الرواية، وكأنها أشباح لا تعرف من أين أتت ونبتت شعيرات جذورها واستوطنت ضمن ساق الحكاية في التصاق حميم! وقدر القارئ أن يكون مستمتعاً في طقس احتفالي وكرنفالي من المشاهد الممتعة التي لا تنتهي على ارتباك لطيف فقط وسط شجن حكي متصل لحكاية بسيطة يسردها الراوي ذاتياً عن صديقه خريج كلية القانون بجامعة الخرطوم، والذي تنقل في العمل إلى أقصى الغرب الجغرافي لبلاد السودان، ومنها مضى إلى بعثة خارجية حتى استوطن الغرب، ومن ثم انتقل إلى منطقة الخليج وسط نجاحات مهنية في مجال تخصصه، حتى عاد مرة أخرى إلى الغرب، وإن جنح نحو فعل الجنس بطريقة لا توحي بأنه دنجوان عصره، وكان فريسة لعدم توازنه النفسي وشبقه المختلف حتى سقط بين فخذى امرأة ميتاً في صورة درامية أشبه بحال الوطن الذي توقف عن النمو منذ جلاء المستعمر حينما فشلت طليعته المثقفة بالنهوض به إلى مدارج التطور والتنمية. وتدور الرواية في فلك متنها الزمني الاسطوري عن سقوط المناضلين وخيبة المثقفين الذين ولغوا في ميعة الرخاء والاسترخاء الوظيفي حتى نسوا الوطن العزيز الذي قدم لهم الكثير بدءً من نعمة التعليم والعلاج المجاني، وليس أخيرا الوظيفة، ومواصلة الدراسات العليا على حساب الدولة، إذ وطدوا أنفسهم في تنظيمات سياسية انشغلت بنفسها أكثر من البلد حتى تماهوا مع مصالحهم الضيقة.

ولا ينسى المؤلف محمد جبارة بين فترة وأخرى يذكرنا بالواقع البائس ورحلة التوهان والشتات الكبير الذي انفرط عقده منذ سنوات بعيدة، والتي أراد لها أن يتوقف زمنها رويداً رويداً بعد لعبة الانتماءات إلى الجسد والانحياز إلى الحلول الفردية التي شغلت جيل كان منوط به لعب دوراً مهماً ومركزياً في القيام بمتطلبات التنمية حتى وقف على حقيقة الانهيار الكبير الذي هبط بكل ما ورثناه من المستعمر! وهل هناك دعوة لمرحلة استعمارية جديدة تستشفها من الحكاية، وروائح العويل النافذة بين كل حرف وآخر عبر توظيف المقولات التراثية من أغان وحكم ومقولات وأحاجي! وجاء الزمن في الرواية، موضوعاً مركزياً ومكثفاًُ في عنوانها (عندما توقف الزمن)، موضحاً حالة الثبات، والتي تبلورت في فعلها عندما توقف الزمن فعلياً لحظات كارثة موت البطل في أحد أبعادها بينما تجلت في بعد آخر تمثل في رمزية توقف التنمية لبلد ما يزال يعشم أهله في أن يطعم العالم ويصبح سلة غذائه! ورسم السارد خريطة مقارنة زمنية متشعبة تبدو في إجمالها مقاربة ذكية في تفاعلها السلس مع الحدث حيث في نفس اللحظة التي فارقت فيها عشيقته أمل الحياة، ولدت منار عشيقته والراوية الأخرى، في السرد مع السارد كراوي أول، وفي نفس الوقت صديق بطل الرواية محمد صديق الراوي الآخر في نقله لقصة حياته إلى صديقه. وكما توقف البطل عن ممارسة الجنس في اللحظة التي ماتت فيها عشيقته أمل. وجاء الزمن هنا متقاطعاً ومتراجعاً ومتقدماً ودائرياً في أبعاد قدرية وغيبية متداخلة في خيوطها حيث مثلت لعبة الحكاية الزمنية التي تحققت على شروط غير مشروطة في سرديتها الواثقة. هي محاكة في رمزية متخفية نسج خيوطها المؤلف كواحد من هؤلاء الجيل الذين تسربوا من البلاد بينما قاد أقرانهم مسيرة التنمية الصفرية والعبثية التي سقط جراءها الوطن منذ خروج المستعمر حتى انتهى به الأمر إلى هاوية سحيقة بصعود الإخوان المسلمون وتسنمهم كرسي السلطة عبر الهبوط الناعم برافعة العسكر المتدثرة برداء الإسلام السياسي. وربما قد اخطأ السارد في تنميطه لأهل الريف ويكون بذلك قد سقط في فخ أرجوحة المركز والهامش وتلاسن المفكرين حولها واشتباكهم البائس، والذي لا يزال يعكر صفاء سماء الوطن العزيز. إذ لا يعقل أن يجلب الريف هذا الحقد الذي دمر بلاد السودان. بل كان من الممكن أن نقول إن دهقانة الإسلام الحركي استغلوا أبناء الهامش الغارقون في أتون التدين الصوفي وجرهم إلى مستنقع صفوة عاجزة فشلت حتى في انقاذ نفسها من هذا الدرك السحيق من الضياع والتمزق. ولعله قد يكون فات عليه بذات القدر أن عضوية اليسار الشيوعي الذي ينتمي إليها نفسها الراوي والبطل جاءت بذات حجم التدفق الكبير من الهامش الغني بالحياة. وكان من الممكن أن يقول ذات القول بذات التنميط أحد أهل اليمين الفقير في زعمهم المستمر بأن الهامش البائس جلب الضنك والالحاد للوطن.

وغاصت الرواية في عوالم المسكوت عنه ليس أسفل المدينة كما المعتاد لكن هذه المرة في أعلى المدينة وسط الصفوة والنخبة وفحولة الأفندية التي خاضت في براثن الغزل والجنس الناعم. وينجح الكاتب في المساهمة في يقظة القارئ وجعله واقفاً بكل حواسه دون استرخاء طيلة مسيرته بين متن الحكاية الأخاذة متتبعاً مشاهد فخاخ الجنس التي وقع في أتونها اللاهثة. ولعب الراوي العليم دوراً متعاظماً في السرد في تسلسل ممتد حتى انعدم الحوار داخل المتن بالكاد تحس له حراك وسط سردية تقريرية مبنية على راوٍ كأنه شخصية تتماهي مع البطل محمد صديق، وكأنهما في ذات الحال شخصية واحد، وإن تفرقت بينهما الجغرافية ولكن ما يربطهما كثير خاصة انهما ابناء جيل واحد رضع من مؤسسة تعليمية لعبت دوراً كبيراً في توجيه السياسة عبر خريجيها. وقد يرهن البعض الرواية لأدب السيرة الذاتية، والتي تقف منه الرواية بعيداً، كأنهما خطان متوازيان، وإن كانت هي الأقرب إلى رواية الذاكرة التي تنهض على مضامين الحنين والشوق والاسترخاء على أبعادهما. والرواية في بنيتها الهيكلية يمكن مقارنتها برواية (مأساة واق الواق) للكاتب اليمني محمد محمود الزبيري، وكان راويها مشغولاً بالبحث عن حلول لمشكلة بلده حيث استند على رحلة قام بها إلى الأعالى عبر تنويم مغناطيسي تم له من شيخ، وهنالك خاض رحلة كبيرة ما بين الجنة والنار حتى استطاع أن يعرف قضيته وأفق الحلول المعدومة. ووجه المقارنة تبدو في رواية (عندما توقف الزمن) واضحة في السرد على لسان الراوي صديق البطل محمد صديق حينما بدات الحكاية عبر حكي متصل متضمنا تلك الخرافة المتحققة التي قالتها فتاة في غرب البلاد بأن البطل سيموت بين فخذي امرأة، وهذا ما جرى بالضبط، وتمكن الراوي من الإفصاح عنه في نهاية الرواية. وكم هو بارعاً وذكياً حينما شخص المؤلف حالة الانتماء إلى الجسد من خلال الفتاتين أمل ومنار، اللتان كانتا رحى طاحونة الجنس التي فتكت بالبطل في مشهد مأساوي مرعب لشخص عاش حياته متنقلاً يخصب بذاكرته الجنسية بيوضات تائهة هنا وهناك دون القدرة على أن يقف على نفسه المعطوبة والهاربة عن أداء واجب الوطن في المقام الأول، ومن ثم بعد ذلك دوره وسط أسرته. حقا المؤلف صاحب جهد وافر، بلا تكلف، ولا تشويش، ولا تزويق، ولا تزوير، في لغة بسيطة غير مقعرة، ومتفلسفة أناخت زمام الموروث الاجتماعي وأراحته للقراءة المتفاعلة لتقييم النص دون الخوض في مجاهيل تأويل وفق رغبة المؤلف باعتبار أن المتلقين للنص يختلفون في مؤهلاتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية. بلا شك هذا عمل فني تمتزج فيه الوقائع الحقيقية بالخيالية مع ذات مفترضة في صدقها الخلاق وما حاكها المؤلف من مشاهد ألفنا حضورها السمج على كل الصعد. كما جاءت الأسطورة موظفة في تضام فني بليغ أفضى إلى صورة ذهنية غير ملتبسة، إذ شكلت فضاء النص وعقدته الناصعة من البداية إلى النهاية ممثلة في الموت الكبير لسياسي سابق عُلق على حبل بين فخذي امرأة كما توقعت تلك المرأة المنسوبة إلى أثنية دينية تتوهج من خلال إحدى أضلع المشروع الإبراهيمي الكبير. وتلك حكاية أخرى لقرائن تاريخية لم تجد حظها من الدراسة ولكن كانت الأشارة إليها نتفاً متقطعة من خلال الحكاية ورمزيتها، وما قصة قوم موسى ببعيدة عن الأذهان عموماً وخصوصاً عن تلك القبيلة التي يعتقد البعض بأنها طائفة من بني أسرائيل تاهت مع عجل السامري إلى التخوم الغربية من السودان، والذي يطلق عليه في قديم الزمان اسم (كوش). وتشكل الإحالات المتعددة للشخوص والمأثورات في متن الرواية أياً كان لونها ومذهبها نوع من التشتت لذهن القارئ في إلهائه وشغله عن الانتباه لمسيرة النص، ومثلها شخوص تاريخ الأدب العربي وأشهر قصص الحب العربية، وكذلك توظيف الأسطورة التاريخية في قصة سيدنا يوسف وقميصه المشهور، والرموز التاريخية مثل: رابعة العدوية، وابن عربي، والدالاي لاما، زوربا اليوناني، والشاعر السوداني جيلي عبد المنعم. في هذه الرواية الخائضة في ثيمات متعددة نجد انها انفردت بموضوع الحنين إلى الماضي، والذي ظهر بدلائل متباينة، منها: الهجرة والبعد عن الوطن، وحسرة احلام اليوتوبيا المفقودة؛ فاللجوء إلى الماضي هو سفر عبر الخيال إلى الذكريات والاحلام المؤودة حيث لعبت النكسة السياسية والعادات الاجتماعية دوراً في إذكاء شعور الحنين وتكوينه. ويبقى الشعور بألم الغربة هو احتجاج على فقد عبر اجتراح جمرات الكلمات المتقدة. وقد يصح بأن نطلق على الرواية بكائية الشوق المفرط والمقترن بحالة التمني للرجوع إلى الماضي وبل إلى حديقة الوطن التي اعتورها الخراب من جراء طوفان أسراب الجراد التي قضت على الأخضر واليابس، وأحالت البلاد إلى أرض بلقع وجرداء حيث أُثقل كاهلها بأوضاع سياسية وأحوال اقتصادية مختلة لا يمكن معالجتها من خلال الداء السقيم الذي أصاب مفاصلها. وتتفشى كل مظاهر الحنين وتطفى على المتن من محكية إلى أخرى في إصطفاف سردي شاهق عبر المضامين الشعورية اللاهثة والماتحة من بئر الحنين. وتجلت مظاهر الحنين الأخرى في حياة كانت تشد ليل المدينة إلى انشطوتها السفلية ممثلة في شخوص روثمان، والعربي، وسفير، وكلاي، وآدم بُري، كـ(قوادون) يرتبون مسار سدف الفوضى الليلية، والتي رافقتها بقع ترفيهية رهنت نفسها إلى أماكن السمر الجميل في الـGMH ((Gordon Music Hall ، وسان جيمس، وكوبا كوبانا، والغراند هوتيل، والمك نمر، وفندق الشرق في الخرطوم، وزقاق ابوصليب، وفندق رويال، والتي يخلط فيها صحو وخدر النبيذ القبرصي، والبيرة أبوجمل، ونبيذ بوردو الأحمر، كأيقونات سافرة ترفد المدينة بحظوة السمر الليلي، مثلما بانت أمكنة أخرى أكثر استقراراً في الذاكرة المعرفية. وكما للخرطوم حضورها الجغرافي الكبير، بذات القدر ولجنا مكانياً إلى دائرة مسرح الكلوزيوم الروماني ذلك الفضاء المنصوب بنواح جبل مرة الذي استوعب المحاكمة الرمزية للبطل محمد صديق عندما واجه تلك المرأة التي أفضت إلى حقيقة موته بين أحضان امرأة وتوعدته، وكما حضرت عطبرة مسقط رأس الراوي وبطل الرواية بنهر الاتبراوي، ومطعم سعد اليماني بالسوق الكبير، ومحطة السكة الحديد كأعرق وأشهر وأكبر محطات هيئة السكة الحديد. وتميزت جامعة الخرطوم الصرح التعليمي القديم، والذي تعدى عمره قرن بأكمله، بحضور زماني ومكاني في متن الرواية كحيز تاريخي وجغرافي لا يمكن تخطيه لطالما الراوي والبطل نهلا من صرحه التعليمي النظامي المجاني علاوة على الدور الذي لعبه خريجيها سلباً وايجاباً في مسار تنمية البلاد. كم هو غير محظوظ المؤلف بعد أن فرغ من سرديته أن نجد مسرح التواطؤ المخزي الذي تلعبه العسكرتاريا منصوبا خشبته في المساومة التاريخية القاتلة لإطلاق رصاص الرحمة على هذا الصرح عبر بيعه لمستثمرين في غاية همها المال لتمويل حركة استقرار كرسي السلطة. وهكذا يسقط المبنى والمعنى لمؤسسة سلطوية فاشلة ساهمت في نشر قبح الخيانة. وهو أس البلاء ولا يمكن أن نفرد له حيزاً هنا للنقاش. ولعل أنفاس الغناء كانت حاضرة في النص، متضافرة مع الهم السياسي والاجتماعي، والتي تمثلت في فرقة جاز العقارب، وسمير اسكندر، وجاز الديوم، والبلوستارز، ووليم اندريا، وكمال كيلا. والأهم من ذلك تكاد أن ترى الخرطوم مدينة حافلة ورافلة بأثوابها ومندمجة في الفن والغناء في ظل أمسيات مترعة بالراحة والجمال. وجنح الكاتب في سفره إلى لغة السهل الممتنع، وصار الراوي معفوساً، كحال الناقة المحبوسة المحرومة من العلف. يشعر بأنه لا يملك أمره ولا نفسه لطالما اتئد في خطوه على الأشواق والحنين في سفره البديع الذي كشف عن قدرات أديب عرف كيف يضع قلمه على الورق بثقة الحذق رغم أنه العمل الأول له في مجال الرواية. ولئن مضينا وتوغلنا في أرجاء المتن سنكتشف العديد من المخفي من القراءات الأخرى الرائعة التي يمكن لها أن تفكك النص، وتحيله إلى نصوص أخرى تصب في صالح النص الكبير.

وفي الختام، شعرت بشيئ يشدني على لوحة الغلاف.. وودت أن أقول عنه بعض عبارات.. دائماً يغفل النقاد عن إيلاء أهمية تذكر لعتبة لوحة غلاف الرواية، والتي يتأسس عليها الكثير من القراءة الموضوعية، فنلاحظ أن العنوان تماهى في تسطيح تام مع لوحة الغلاف، والتي سارع فيها المصمم إلى تشكيل آلة الساعة الزمنية، كإشارة موضوعة يحسبها إلى عنوان الرواية، وهي ترمز كما يظن للعنوان في إخلال كامل مع مضمون الرواية التي تحدثت عن أشياء لا ترى بالعين عير الوقائع والحزم الزمنية التي تترى كل لحظة. وربما أراد المؤلف أن يكون الرمز كثيفاً حتى في العنوان ولوحة الغلاف. كم أرى أن اللونين الأسود والرمادي منحا القارئ تصوراً سوداوياً.. هكذا هو أساس الرواية الداخلي وهى ترمز في جمالية رمزية عن أزمة وطن بأكمله وليس شخوص أراد لها المؤلف ألا تكون مجرد ممثلون لتلك الكارثة التي جسمت على صدر بلد منذ استقلاله حتى تاريخنا الحاضر في تأسيس واعي على الخرافة والحقائق. فالألوان تكشف سر المسكوت عنه عند صفوة مثقفة رخوة في إنصرافها إلى حيواتها الخاصة بعيداً عن نداء البلد الجغرافي الذي تعلمت على حسابه دون أن تقدم له شيئاً ملموساً من ضريبة المنفعة العامة. اعتقد أن الحوار بين المؤلف ومصمم الغلاف تفرقت بينهم السبل، وأضحى عند مفترق طرق بعيداً عن إيضاح العمل الفني في أبهى صوره. كما أن المؤلف أدخلنا في متاهة ريع عتبة العنوان المفخخ. وهل يدخل في فقه الضرورة والموازنات بما يكفي لأن نجترح عنوان آخر لكى نعلق ونصلب ولهنا بالنص من ناحية نثيث خرافته الشاهدة على قدسية معانيه، ونتفق بالضرورة المعنوية على عنوان جديد باسم (الموت بين فخذي وطن)، بدلاً عن عنوانه المرمز ربما سياسياً وجنسياً (عندما توقف الزمن). ولا تنفك العتبات أيضاً أن تمتح من معين التذوق الزمني الموغلة في عصور عتيقة ويمكن ملاحظة ذلك في أهداء الرواية الذي جاء بنكهة عالية الحضور حينما سطرت (إلى بنت الأكابر.. مهلمة هذه الرواية)، وهي لفتة ذكية انصبت على تداعيات ذاتية محضة رسمت دلالات طبقات المجتمع؛ المنقسمة وقتذاك إلى طبقتين؛ الأفندية وأهل القطاع الخاص. ويبقى السؤال، هل مرر الكاتب الهائم في غربته وهجرته سيرته الذاتية داخل عمله الفني بكل براعة أم ذلك محض خيال يتربص البعضّ. وهذا سؤال الهذيان والحميمية لنص تفرقت به السبل عند منعطف رمل الحكاية الباهية! على كل حال، إنه رجل قدير، ويعرف كيف يسرد حكايته البسيطة في رواية من الحجم المتوسط بلغت (231) صفحة، عن رجل قانوني، بدأ حياته العملية في بلده، ومن ثم غادرها متنقلاً بين أوربا ودول الخليج، حتى أجله المحتوم في غزوة جنسية كما توقعت امرأة التقاها باكراً في غرب البلاد السودانية.

صحفي وكاتب مقيم بالبحرين

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم