هل يمكن اختراع الحب والإيهام بتجميله حياة أصحابه؟ كيف لحب مخترع أن يرسم مصائر شخصيات واقعية؟ ألا يكون البحث عن الحب ردا على افتقاده وسيادة نقيضه؟ هذه الأسئلة جزء مما تشتغل عليه رواية "ذئبة الحب والكتب" للعراقي محسن الرملي الذي يستنطق شخصياته ويخبر على ألسنتها أن في الحب يكمن خلاص العراق والعالم من الأحقاد والحروب.

يتماهى الرملي في بعض أفكار وفصول روايته مع بيت شعري لنزار قباني يقول: "الحب في الأرض بعض من تخيلنا ... لو لم نجده عليها لاخترعناه" إذ إن "هيام" بطلة روايته تعيش حياة متخيلة موازية لحياتها الحقيقية المفترضة، توصف بأنها تفترس الكتب، وتحلم بحب يشعرها بإنسانيتها وتجددها وأنوثتها، وتقنع نفسها بأنها تعيش جزءا منه عبر التراسل عن بعد، والبوح بما يعترك في دواخلها.

حياة رديفة يستهل الرملي روايته بالتشديد على فكرة الانطلاق من السيرة الذاتية، والاعتماد على حياة رديفة لحياته، وهي حياة أخيه الذي فقده في العراق، وكان شغوفا بالشعر والأدب، يحاول إحياءه في الرواية، يرسم له مصيرا مختلفا عما لاقاه، يسبغ على حضوره جماليات الإبداع، ويبقيه رمزا للذاكرة النقية، تلك التي ساهمت الحرب في تعكيرها وتشويه الشخصيات التي تسكنها. شخصية حسن المطلك، صورة محسن نفسه كما يوحي الروائي، وهو في إيحائه يعتمد على نقاط رئيسية في سيرته وارتحالاته بين بغداد وعمان ومدريد، مرورا بالعديد من المدن الشرقية والغربية التي يصور عادات أبنائها، ويتعامل معها بمنطق الساكن لا السائح، تراه يعشقها ويحتفظ منها بذكريات يحرص على حميميتها وشاعريتها، ويظل هاجسه البحث عن الحب والأمان الداخلي والصفاء والسلام في بحر الحروب والحصار والغربة والضياع. تخبر هيام حبيبها المفترض عن تاريخ أسرتها وأهلها في العراق، وكيف هجرت البلد، واقترنت برجل لا تحبه، وهي المدمنة على القراءة والحالمة بالكتابة. تسر له بأسرارها، تعترف له بتفاصيل حميمة من حياتها، تكشف له المستور، تبني له ذاكرة مخترعة، لا تريد لها التجسد على أرض الواقع، تبقى محتجبة عنه، في غربتها وأساها، وتتماهى مع الذئب، سواء بشكل رمزي، لتميزه وبراعته، أو بشكل فيزيائي بوصف مزايا الذئب في حركاته وتنقلاته وحياته وصيده. يعتمد الرملي في عمله بشكل رئيسي على البوح والاعتراف والبحث عن مواطن الأمل والجمال، كما يعتمد في السياق الفني صيغة تبادل الرسائل بين الراويين هيام ومحسن. ولا يخفى أن صيغة الرسائل باتت مكررة في الرواية الحديثة، إلا أنه باعتمادها على طول الرواية يحاول إضفاء نوع من الاختلاف عليها، بجعل الرسائل أساس الحكاية وبنية الرواية الرئيسية، والسرد يتخللها، كما يتدخل الراوي المتواري ليحفظ توازن الشخصيات ويوزع الرسائل والفصول بين الرواة أنفسهم.

تغليب السيرة يسمي الرملي شخصيات تاريخية معاصرة ساهمت في الحياة الأدبية بالعراق والعالم العربي، يستحضرها في سياق تبادل الأفكار والرسائل بين رواته، يتحدث عن بعضهم كأصدقاء مقربين، وذلك في تغليب لجانب التوثيق السيري والتأريخ الشخصي على السرد الروائي. ويذكر الرملي في تصريح للجزيرة نت أنه حاول في روايته توظيف أكبر قدر ممكن من التقنيات السردية كالرسائل وتعدد الرواة والتداعيات وتعدد الأزمنة وغيرها، وأكبر قدر ممكن من الأجناس الأدبية، ويقول "ضمنتها الشعر والقصة والمسرح والمقال والمذكرات وغيرها، كما تناولت فيها عددا من الموضوعات الجوهرية كالحب والموت والحرب والهجرة وجعلت تجربتي الشخصية وسيرتي في خدمة العمل، وليس العمل في خدمة سيرتي". ويلفت إلى اشتغاله المختلف في عمله قائلا "حاولت أخذ الرواية إلى أصولها لتكون كتابا متحررا بمفهوم الكتاب فعلا؛ ينطوي على المعرفة والمتعة وليس جنسا كتابيا واحدا، فتجد فيه الواقع والخيال والتاريخ والجغرافية والفرد والمجتمع والنفسي والموضوعي والثقافي وغيرها". أما داخل إطار التصنيف الروائي فيقول الرملي إنه اقتدى بعملين عظيمين هما "الدون كيخوته" لميغيل دي ثربانتس "الذي وظف سيرته وذكرياته والتاريخ ونصوصه ونصوص غيره وتقنيات السرد التي سبقته وكل شيء من أجل عمله"، ورواية "جبل الروح" للكاتب الصيني الفرنسي غاو شينغجيان الذي "يتطرق إلى كل شيء من خلال صوتين خافتين لذكر وأنثى". ومحسن الرملي كاتب وأكاديمي ومترجم عراقي ولد عام 1967 في قرية "سديرة"، ويقيم في إسبانيا. حصل على الدكتوراه من جامعة مدريد "أوتونوما" بكلية الفلسفة والآداب عن رسالته "تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته" عام 2003. له في الرواية "حدائق الرئيس"، "تمر الأصابع"، وأدرجت روايته "ذئبة الحب والكتب" ضمن القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب عام 2016. المصدر : الجزيرة

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم