إرتبط مفهوم الحب بالإنفتاحِ على الحياة، وكلّما فاض القلبُ بمشاعر الحبّ تَتّخذُ الحياةُ أبعاداً ودلالاتٍ غنية وتزدادُ رغبة الإرتياد إلى أصقاع جديدة وتضطرم الحماسة لدى الكائن البشري لإدراك ما يحفل به الوجود من الفرص اللامتناهية.موضوعة الحبِ لها تمظهرات كثيرة في ثنايا المدوّنات الأدبية. بل لا يوجدُ عمل أدبي دون أن يكون الحب وتفرّعاته من الكرامة والإيثار والوفاء ثيمةً لنسيجه وتركيبته. وهذا الإهتمام يأتي من كون الحبِ عاملاً لعقد العلاقة بين الإنسان وكينونته الوجودية.

غير أنَّ التحوّلات المتسارعة التي تشهدها حياة الإنسان المعاصر قد تسرّبتْ تأثيراتها الإيجابية والسلبية إلى فهم الفرد وطريقة تعاطيه لجملة من القيَم والمفاهيم الحياتية والوجودية، بما فيها الحبّ. وهذا الموضوع هو ما يبني عليه «مارتن باج» معمار روايته «قد تكون قصة الحب»، التي تكشف عتبة عنوانها عن وجود التوتر وحال القلق وغياب اليقين.

حبيبة مجهولة

يعتقد «فرجيل» في رواية «قد تكون قصة الحب» بأنَّ الهروب من الحب يُجنّبك صدمة خسارة مَن تُحبّه. لذلك، فهو ينصرف قبل أن تأتي كلارا التي لم يكفّ عن التطواف بحثاً عنها وما التقى أحد أصدقائه إلّا وسأله عنها.

إنّ فراق الحبيبين وانفصال طريقهما موضوع قد لا يكون غريباً. لكن أن تعلن فتاة قرارها بالإنفصال عنك من دون أن تعرفها أو بادلتها رسالة أو مكالمةً هو ما يجعلك مرتبكاً وعاجزاً عن الوصول إلى فكّ هذه العقدة، وذلك ما يعيشُ فيه «فرجيل».

يتوقع «فرجيل» أنّ موته بات قريباً رغم تأكيد الأطباء عكس ذلك. ويعتقد أنّ ما حصل في حياته هو مؤشّر بأنّ أيّامه صارت معدودة لذلك يريدُ إلغاءَ خدمة شركة الكهرباء والهواتف ويختار أن يقضي ما بقي من العمر داخلَ شقته في الظلام. ولكنّ ذلك لا يمنعه من البحث عن كلارا ومساءلة صديقاته عن هذه الفتاة.

ضدّ التيّار

على رغم سلوك فرجيل وتصرفاته الغربية غير المفهومة بالنسبة لمدير الشركة التي يشتغل فيها حيث يرفض «فرجيل» زيادة راتبه ويهدّدهم بترك الشركة إذا أصرّوا على قرارهم، لكنّ هناك جوانب أخرى في شخصية هذا الشاب الثلاثيني تقنعك بأنّ «فرجيل» ليس أبلهاً، بل له رؤية للحياة إذ تسمعه مهاجماً الأيدولوجيات الشمولية التي أودت بحياة الآف الأبرياء.

كما يقدّم تفسيراً جديداً لمفهوم نهاية التأريخ، ويرى بأنّ التاريخ لم ينتهِ مع سقوط جدار برلين أو بعد إنتصارات نابليون كما يذهب إلى ذلك هيغل، بل سيادة الحياة الزوجية هي التي وضعت نهاية للتاريخ. زِد على ذلك فهو يكشف هيمنة الثقافة الأميركية على عقلية الانسان المعاصر وإنسياقه وراء غريزة الإستهلاك المجنونة.

يقول إنّ الملاذ الوحيد الذي يمكن لك أن تستريح فيه هو «ماكدونالز». كما أنّ تدافع الإنسان إلى السوبرماركت لا يُدانيه إلّا هروع الهندوس إلى نهرهم المقدّس لنفض القلق من أرواحهم. هذه الأفكار تتناثر على امتداد الرواية بصيغ المقولات والعبارات الفلسفية. ربما هذا الأسلوب يبعدك من مُناخ العمل الروائي لكن لا يُمكن إنكار عمقه وقدرته التشخيصية.

مع تعاقب وقائع الرواية يتمّ التعّرف الى تفاصيل شخصية «فرجيل»، فوالداه يعملان في فرقة السيرك. قد شغله منذ طفولته هاجس مقتل والدته بيد والده أثناء العروض البهلوانية، كما يتبيّن بعد لقائه بالسيدة «مود» التي يتوقع بأنه إلتقى كلارا في بيتها خلال إحدى السهرات التي أقامتها، بأنّ فرجيل لا تهمه كلارا بقدر ما يبحث عن موضوع يشغل به صديقاته.

يفيض السرد في هذه الرواية بالمعرفة ويتّخذ أسلوب الكاتب أحيانا منحىً تقريرياً إضافة إلى حوارات قصيرة. تتزاوج في هذا العمل أفكارٌ رصينة مع السُخرية كما يهدف العمل إلى كشف تأثير تطورات الحضارة في طبيعة الإنسان وما يتنازعه من القلق والخوف.

عن صحيفة الجمهورية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم