ينبري الروائي والناقد السوري هيثم حسين في كتابه «الرواية والحياة» للدفاع عن قيمة العمل الروائي وأثره في مقابل الآراء التي تنتقص منه لصالح انشغالات وهموم أخرى. الكتاب الصادر مع مجلة الرافد التابعة لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في نحو مئتي صفحة، يضع يده تماماً على موضع الجدل الدائر حول ما إذا كانت الرواية تشكّل ترفاً في مجتمعات تنخرها الحروب والفتن والفقر، فيقدّم إجابات بارعة وشاملة.

ولعلّ قوة الكتاب وحجّيته إضافة إلى مادته تعود إلى حالة الكاتب نفسها، فهيثم حسين ابن عامودا السورية جرّب مرارات الحروب والخذلان والمنفى، لكنه مع كل ذلك يرى أنّ الرواية تقدّم دواء ناجعاً وأجوبة شافية، وقد تعين في تجاوز تلك الآثار السلبية التي تتراكم بفعل المصائب التي تُحيط بنا. «يطغى اعتقاد بعبثية الرواية أمام الفجائع، أمام تكاثر المآسي وتناثرها، وخصوصاً في بحر الثورات التي اجتاحت المنطقة العربية، وهنا فإن مرارة المفارقة تكون مضاعفة حين التسليم بتعديم الرواية أو تهميشها تحت زعم أنها لا تستطيع التغيير أو التأثير».

ينقسم الكتاب إلى سبعة فصول، يتعرّض فيها الكاتب إلى عناوين عدة، كالرواية والتأريخ، والرواية والسيرة الذاتية، والرواية والمغامرة، والرواية والرقص، والرواية والجوع، والرواية والتخييل. وتحت كل عنوان من تلك العناوين يورد هيثم نماذج عن أعمال روائية عربية وعالمية يخلص عبرها بأسلوب ممتع إلى مدى الالتصاق بين الرواية والحياة.

في الفصل الخاص عن الرواية والجوع يقول هيثم حسين «ما يلفت النظر أنّ هناك عدداً من الروائيين تنبّهوا إلى حالة تبدو من البساطة أنّها قد لا تثير الانتباه والاهتمام، أو كأنها تبدو مبتذلة لكثرة الحديث اليوميّ فيها وعنها، وهذه الحالة هي حالة الجوع. والجوع لا يكتفي بالإشارة إلى الجوع الجسدي إلى الطعام فقط، بل هو معمّم يخرج عن إطار الحالة ليغدو ظاهرة مثيرة للجدل».

وحول الرواية والرقص يحلّق الكاتب في سماء بديعة «من الغبن الظنّ أنّ الرقص من علامات الفرح فقط، وإن كان قد ارتبط عبر الممارسة والتراكم بالفرح واللهو والمجون، ذلك أنّ الرقص كالطرب تماماً يمكن أن يدّل على الفرح والبهجة واللذة، كما يمكن أن يعبّر عن الحزن والأسى والقهر. ولأنه متعدّي المفعول، متناقض التأثير، مشتمل على العتمة والضياء، على السواد والبياض معاً، فإنه يحظى باهتمام خاص من قبل الأدباء والفنانين».

ورغم أنّ الكتاب هو دراسة بالأساس، فقد كتب بأسلوب سهل وممتع، وعميق في الآن نفسه، وهو ما يميّز كتابات هيثم حسين سواء في أعماله النقدية أو الروائية، نذكر منها «آرام سليل الأوجاع المكابرة»، و«رهائن الخطيئة»، و«إبرة الرعب»، و«الرواية بين التلغيم والتلغيز»، و«الروائي يقرع طبول الحرب».

روائي إرتير

عن صحيفة الوطن

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم