إلى أيّ حدّ سيمتدّ نفوذ التّنظيمات الإرهابيّة؟ ما هو مآل بلاد النّفط والمال؟ ما المصير الذي ينتظر العرب، وإلى أين هم سائرون؟ أي قوى ستسيطر على العالم؟ هل ثمّة مكان للقيم الإنسانيّة وللأخلاق في العام 2084؟ هل العلم في خدمة الأخلاق، أم أنّه يتعارض معها؟ والتّجارب النّوويّة التي يتمّ تطويرها: هل سيكون لها أهداف لإنقاذ البشريّة من الموت الذي يهدّد كيانها كلّ لحظة؟ يطرح الرّوائي واسيني الأعرج في عمله الأدبي الأخير «حكاية العربي الأخير 2084» («دار الآداب»، بيروت، 2015) أسئلة وجوديّة تتعلّق بحضور الإنسان العربي، بعد أن تكون «كلّ بلدان آرابيا التي كانت قائمة قد اندثرت نهائيّاً» (ص. 325)، أو تمزّقت إلى قطع صغيرة تديرها قبائل وأقليّات طائفيّة ولغويّة وعرقيّة. يتفتّت العالم العربي بفعلِ الحروب العبثيّة إلى جماعات وطوائف وقبائل متناحرة، لا يربطها سوى الكراهية العرقيّة واللغوية والثّقافيّة والدينيّة (ص. 161). «نحن اليوم بقايا بشر بلا تاريخ ولا هويّة. والأشدّ خطورة، بلا ذاكرة إلّا ذاكرة الطّائفة القبيلة والحارة التي لا تقاوم الزّمن أبدًا ورياحه» (ص. 263). الشخصيّة الرئيسة في «حكاية العربي الأخير 2084» تُدعى آدم، عالِم يعمل على تطوير قنبلة نوويّة مصغّرة في بنسلفانيا، يُختطف في مطار رواسي في باريس، ويتمّ احتجازه في قلعة أميروبا في أقاصي الرّبع الخالي، يديرها ليتل بروز، الحالم بالحصول على رتبة ماريشال. هناك، يعمل على تطوير مشروعه بمساعدة فريق من الباحثين. جرى تطوير القنبلة للحدّ من سطوة التّنظيم، وردع المجموعات المتطرّفة، ومنعها من التّقتيل، وتهديم الحضارة، ودرء المخاطر النووية المدمّرة. يبقى الصراع قائمًا بين رغبته في اختراع قنبلة جيب نوويّة يمكن استخدامها في ضرب أهداف محدّدة، وصوت زوجته اليابانيّة أمايا التي تعارض عمله، فيأتي استرجاع موقفها تحذيراً من الاستمرار في هذا العمل. يسأل آدم نفسه إن قدّم خدمة للبشريّة أم ما يبيدها (ص. 301). لا يقدّم واسيني الأعرج في روايته هذه صورة نمطيّة للإنسان العربي، الذي تأطّر في كثير من الأعمال الأدبية ضمن صورة اللاهث وراء الغرب، أو الباحث عن لذّة عابرة، إنّما هو نموذج للعالِم الذي يسعى الغرب إلى حمايته، والمحافظة على حياته طمعاً بالإنجازات العلميّة التي يحقّقها. فهل سيكون العربي الأخير على هذا النّمط؟ وهل ستتحقّق نبوءة الكاتب بانسحاق الهويّة العربيّة، والتشتّت في مجاهل الصحراء؟ ما يستحقّ التوقّف عنده في «حكاية العربي الأخير 2084» قضيّة تجارة الأعضاء البشريّة، التي لا تقلّ خطراً عن نتائج الحرب الأخرى. وما بدأ يظهر استناداً إلى التقارير الأخيرة للأمم المتحدة يقول إنّ تنظيم «داعش» يبيح قطع عضو أيّ شخص حيّ بغية إنقاذ أحد التّابعين له. ما تنبّأ به الكاتب نراه ماثلاً أمامنا. يبدو موقف الروائي واضحاً من الثّورات في العالم العربي. فهو يدين همجيّتهم، وسوء فهمهم للحرية. ما قاموا به ليس سوى عملية تشويه وتدمير ممنهج للبلاد، كما يرى. «عندما قام الآرابيّون بثورتهم كبقيّة الشعوب قتلوا أنفسهم أولاً، وغرسوا السكاكين في اللحم الحيّ من أجسادهم، ثمّ أكلوا رؤوس بلدانهم، وبعدها خلقوا فراغاً ظنّوه هو الديموقراطيّة» (ص. 325). لم يبقَ للعرب سوى التّيه والموت البطيء. جماعات مشرذمة تستحق الشفقة: «هؤلاء الذين تراهم في تيه الرمال، كانوا بؤساء حتّى في عزّ تدفّق النفط والمال والبورصات، التي صنعت أوراقاً وأموالاً، ولم تصنع وطناً واحداً جديراً بأن يُحترم» (ص. 63). عن صحيفة السفير

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم