"عاهرة ونصف مجنون" آخر روايات الأديب السوري حنا مينه، حيث صدرت عام(2008)، عن دار الآداب في بيروت، وهي رواية مختلفة عن بقية روايات حنا مينه في كتابتها، حيث لجأ حنا مينه إلى وضع تداخلات بين السرد الواقعي والتخيل ولجأ إلى عملية الإسقاط في علم النفس مقحماَ حياته بطريقة سردية متحايلة. تبدأ الرواية بالحديث عن فتاة تدعى لورانس شعلول، كانت تنام على السرير الوحيد في الغرفة مع أمها، وإخوتها ينامون على الأرض، هذه الفتاة لورانس كانت تكره والدها لأنه دائماً يقوم بممارسة الجنس مع أمها وكانت الأم متمنعة عن ذلك بسبب وجود أبنائها بنفس الغرفة، ولسوء حظ الأبناء يسمعون مايدور بين الأبويين ، من تهامس وشتائم ، وكانت لورنس تنام لصق خاصرة أمها، فبدت لورانس تسمع كلام لا تفهمه، تحبس أنفاسها مع كل ليلة يمارس فيها الأب مع أمها كواجب زوجي والأم تتمنع كالعادة حتى باتت لورانس تكره والدها وتحب أمها، حتى بدأت لورنس تكتشف عالم الشهوة مع صراخ أمها وبعد سماعها ما دار بين والديها تمرر إصبعها إلى النقطة أسفل بطنها. يتبين لنا من هنا عالم الفقراء المحصور في غرفة، لتتحول إلى مأساة الكثيرين من الأزواج ولا من مفر من هذا الواجب الزوجي لو حتى بخيمة وكومة من الأبناء كاحتجاج على الفقر الذي يهين رجولته كإنسان . ومن هنا لابد للكاتب علاقة بلورانس ربما هي صديقته "عاهرته المثقفة" خريجة كلية الآداب والتي لا تخرّج أدباء وإلّا امتلأت الدنيا بأكلة الهواء" ولكي لا تنضم لورانس إلى العاطلين عن العمل تلجأ إلى أقدم مهنة في التاريخ وهي الجسد، حيث يلجأ حنا مينه إلى السخرية السوداء على لسانها، مقارنة بين الأدب وقلة الأدب، مستحضرة حادثة الراقصة فيفي عبدو حين لمحت الأستاذ نجيب محفوظ ، قائله له: انظر يا أستاذ نجيب ماذا صنع بك الأدب وما صنع بي سوء الأدب!! ونعود إلى لورانس التي صارت شاذة جنسياً وذلك بسبب كراهيّتها لوالدها أولاً، ثم تعرّفها إلى المعلمة بدور وبذلك تستغل لورانس شذوذ معلمتها من أجل المال، والحصول على أجمل الثياب والمجوهرات، ويبدو بذلك تذكر حنّا مينه لأيام الفقر . ومع هذا وتوالي حنا مينه للسرد ندرك أن لورانس شعلول أمام مشروع رواية تكتبها، مشير في ذلك من خلال قصة لورانس أن معظم الكاتبات يستعجلن الشهرة، وكتاباتهن أقرب إلى الاعترافات والمذكرات، حيث لجأ حنّا مينه إلى مناورة سرديّة، فزميل لورانس (فايز غضنفر) الذي طلبت منه لورانس إبداء رأيه في ما كتبت ليس سوى الكاتب، والذي يصف نفسه بأنّه "أيوب القرن الواحد والعشرين"، ويعترف بأنه نصف عاقل ونصف مجنون يكتب عن طفولته كيف كانت حين عمل حلاقاً، متذكراً طفولته الشقيّة ومعاناته النفسيّة ولعل هذا كله تحت مسمى "خبث الشعور" الذي تحدث عنه الكاتب لأن كاتب الرّواية حكّاء، يرش على حكاياته بودرة الفن إخفاء لعيوبها. ويُورد رسالة كاتبة وصفها بالسّيدة النزقة "س" وهي كاتبة تنشر في المجلات، حين اعتذر لها عن رأيه وعدم لقائها مرّة أخرى، لضيق وقته فتكتب إليه بحسرة مغلفة بالدموع حين كان طفلاً جائعاً عارياً حافياً.. ويعتبر الكاتب عن الرواية المتخيلة لورانس شعلول أن موضوعها شبه مسكوت عنه عربياً وعالمياً، رغم أن الملايين من الأسر الفقيرة تعاني وهو يبدو واحد منهم . ونرى في كل فصول الرواية التضمين والاقتباس من الشعر العربي القديم، يستشهد فيها وكأن له علاقة معها ليكون لها محل في روايته الأخيرة حيث نجح في إقحام سيرته الذاتية بخبث الشعور وبودرة الفن ضمن عمل متخيل، بين لورانس ونصف المجنون تاركاً لنا بعض النصائح. فحسب ألبير كامو العمليّة الجنسيّة كاختراق فعل عدواني، واليقظة الجنسية عند الأطفال أبكر مما نظن . ومسألة أخرى لا عيب أن نتعلم من أبطال رواياتنا (إن الحياة كفاح في البر والبحر) .

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم