'زمن الخوف' الدم من أجل السلطة في مغرب ما بعد الاستقلال
الكنبوري يرصد في روايته التحولات والصراعات السياسية التي واكبت استقلال المغرب في العام 1956 من خلال شهادات متواترة وكتابات وتقارير صحفية محايدة.
الدار البيضاء (المغرب) - صدرت للكاتب والباحث المغربي إدريس الكنبوري مؤخرا روايته الأولى “زمن الخوف”. واعترف الكنبوري المهتم بقضايا الجماعات الإسلامية، في حديثه مع “العرب”، بأن اهتماماته بالأدب شعرا وقصة كان منذ شبابه، لكن الاهتمام النظري والفكري طغى على التوجه الأدبي عنده فخفت دون أن ينطفئ ليظهر اليوم في شكل رواية. واعتبر الكنبوري أن تحوله للتعبير الأدبي من خلال الرواية، ليس تحولا في الاهتمام كمفكر وباحث أكثر منه تنويعا في طريقة تناول الأحداث، وركز الكاتب على أن الرواية كجنس أدبي تمنح مساحة أكثر ثراء وحرية للتعبير عن بعض المتقابلات والمتناقضات في السياسة والدين والثقافة وغيرها.
وتتناول رواية “زمن الخوف”، الفترة التي تلت عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى في 6 نوفمبر 1955، فترة شهدت سلسلة من التجاوزات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل أعضاء حزب الاستقلال ضدّ منافسيهم من حزب الشورى والاستقلال ومحاولة فرضهم للهيمنة على التشكيلات السياسية الأخرى المنافسة.
ورصد الروائي الكنبوري التحولات والصراعات السياسية التي واكبت استقلال المغرب في العام 1956، من خلال شهادات متواترة وكتابات وتقارير صحفية محايدة. وكان أهمها بشكل خاص شهادة والده الذي عايش أحداث المنطقة التي تتناولها الرواية.
الرواية كما يدل عليها العنوان “زمن الخوف” تحيل إلى تلك المرحلة من الفوضى وتجاوز القانون وتصفية الحسابات بين حزب الاستقلال بزعامة علال الفاسي وحزب الشورى والاستقلال بزعامة محمد بن الحسن الوزاني، تجري أحداثها في سبعينات القرن العشرين، وتتحدث عن منتصف الخمسينات وما ساعد الكاتب على النفوذ إلى تلك الحقبة بسلاسة وصدق هو أنه ابن المنطقة التي عالجتها روايته “زمن الخوف”، كما أن والده عاش وعاين تلك الأحداث الأليمة والتي نجا منها بأعجوبة.
كما ترصد “زمن الخوف” تبلور الوعي السياسي لشاب مغربي من جيل السبعينات، ذاك الذي اصطدم بوقائع جعلته يفتح عينيه على الماضي الخمسيني، حيث حصلت مذبحة شهيرة في تاريخ المغرب مباشرة بعد الاستقلال، في يناير 1956 بمدينة سوق أربعاء الغرب، شمال وسط المغرب، بين الاستقلاليين والشوريين، ذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء في صراع سياسي على النفوذ.
تتطرق الرواية إلى أحداث المنافسة الشرسة بين قبيلتين، الأولى تميل إلى حزب الاستقلال والأخرى إلى حزب الشورى. بطل الرواية استقى معلوماته عن الواقعة من خلال مدرسه عبود، وامتعض من هيمنة قائد القبيلة المنافسة الذي ينتمي للاستقلاليين على أعضاء قبيلته ونفوذه وفساده.
نكتشف مع تتابع الأحداث أن شيخ القبيلة التي ينتمي إليها البطل يقرر أن يختطف القائد المستبد من القبيلة الأخرى، دون تسطير لنهايته وليترك المؤلف الباب مشرعا أمام تأويل القارئ.
وينكر الكاتب أن تكون روايته عملا تاريخيا أو حكما قضائيا لأشخاص صنعوا تلك الأحداث، بل هي تعبير أدبي عن مشاعر أناس عاشوا تلك المرحلة وعن مواقفهم من رئيس حزب الاستقلال الذي كان مسؤولا عما حدث في سوق الأربعاء، وهو ليس بالضرورة موقفه كباحث.
حاول الروائي إدريس الكنبوري أن يتعامل مع شخوص الرواية سرديا خصوصا العنصر النسوي، واضعا نفسه في سياق المرحلة التي يتطرق إليها في روايته، نذكر من الشخصيات والدة الدعدوع، البطل الثاني في الرواية، ووالدة البطل، وزوجة المختار، المرأة التي تخوض في عدة قضايا مع رجال القبيلة دون عقدة، ففي القبيلة ليس هناك تمييز بين الجنسين، بل هناك تعايش تفرضه طبيعة القبيلة وأيضا تقسيم العمل بين الطرفين، الذي لا يخضع لنواميس الرأسمالية.
ونكتشف هنا أن الوعي السياسي للمرأة داخل القبيلة، والذي رسمه الكاتب بدقة وموضوعية، منحصر في شؤون القبيلة، مثلها مثل الرجل، فتدبير شؤون البيت أو المشاركة في قضايا القبيلة عمل سياسي، وفي المغرب قبل الاستعمار الفرنسي كانت الوحدة السياسية في البلاد هي القبيلة، وليست الدولة.
تعتبر رواية “زمن الخوف” مناسبة سانحة لاكتشاف معاناة المغرب الانتقال من حالة “السيبة” أي الفوضى، إلى دولة المؤسسات، وذلك من خلال التاريخ المحكي والمحفوظ في صدور الرجال. وهي محطة أخرى لاكتشاف إدريس الكنبوري الأديب، والوقوف على ملكاته التعبيرية التي تمتح من لغة القرآن والبلاغة اللغوية ذات القوة الإيحائية التي مكنت صاحبها من الغوص في المحظور بالتعبير المباح.
عن صحيفة العرب
0 تعليقات