يعكس "امير تاج السر" الواقع العشوائي في رواية "منتجع الساحرات" التي يشن فيها الحروب على الافكار التي تراود الانسان عندما يلجأ الى محاكمة نفسه عبر الزمن. ان من خلال اليقظة الحسية في المشاهد الاليمة التي يعيشها الفرد في المجتمعات الفقيرة ، والتي هي جزء منه ولا يشعر بذلك لما يحيط به من رؤى احتجبت عنها الصور التخيلية.

وكأنه يسحبنا الى الواقع ويسجننا داخل الصورة التي ينسجها روائيا ، لتصب في ذهنية أفكار القارئ، وتتركه مسافرا في عالم الاسماء الممتد من "عبدالباسط شجر" الى المتسكعين والمراهق" ناهوم عرجا الاثيوبي " وصولا الى موت الاحلام، وولادة الواقع المرير مع بائعات الشاي المسنات اللواتي يلذن بالصمت، لانهن فقدن "عبدالقيوم" الذي ما عاد يلفت النظر وكأنه يوحي بهشاشة القوانين في عشوائيات يعيش فيها الافراد الضعفاء وبعض من المتسلطين . بانزياح جمالي عفوي في التأثير ، وببساطة شعبية تؤدي الى تحولات الافق الروائي المألوف عادة، وبإبراز جوانبه الجوهرية في بناء الرواية. ليحارب في رأس كل منا افكاره المبهمة والتي تتضح تدريجيا كلما توغلنا في القراءة، وكأننا نعايش شخوصه بتآلف تصويري نتبعه كعين سحرية تراقب المشهد. مجرمو سن المراهقة ونوعية الحياة التي تفرضها نوعيه من خرجوا الى الصبا مطرودين او مساجين، وبالطبع، ضائعين، وعاطلين عن العمل بجدارة" والقضية التي يثيرها امير تاج السر روائيا ليست مطروحة للنقاش، لأنها من واقع له مكانه وزمانه وظواهره المحلية التي اعتاد عليها بطل الرواية ومن معه. الا انه يمسك بعناصر الواقع لتكتسب الرواية بمسارها الفني تراكيب ذات خصوصية يشن حروبها المتعددة من الافكار الى حروب الرزق والوجود، وشاي الحشرات وسرياليات لا يمكن ان تتخذ صفة غير غرابة ما يصفه او يتكلم عنه "امير تاج السر" في روايته "منتجع الساحرات" التي يستغرب فيها القارئ الخوف من انقراض مهنة السرقة ، فما هذا المجتمع الذي يروي عنه ما يروية ومن هو عبدالقيوم هذا والنزوات المترفة؟ حركة مشهدية تعج بإشكاليات يستنطقها عبر خلفيات رمزية ، كأنها المشهد السينمائي المشغول بترميز وتشفير، وبما يثير دهشة المتخيل او حوارات الشخوص التي تلتقي ببعضها وتفترق، وكأنها تستند على لغة فكرية تتصارع فيما بينها. لتنفي بعضها البعض، وكأن البقاء للاقوى في الرواية التي تماثل الحياة وافكار الرواية او بالاحرى افكار الروائي نفسه المتحكم ببنية السرد وقوته الايهامية بالقوة والضعف، والتغيرات التي تطرأ على الانسان الذي لا يختار بيئته ، ولا اين يولد، ولا كيف يموت، فهل من استعمار نفسي يمارس على الفرد من خلال المحيط الاجتماعي أم ان الواقع السياسي وتأثيراته هو انعكاس للمجتمعات الموبوءة والفاسدة ، والصالحة والميالة للخير مختصرا بذلك جدلية سن المراهقة والمعايير الانسانية، لباقي افراد المجتمع، وكأن كل فرد يولد ليمارس دوره في الحياة كما تمارس شخوص "امير تاج السر" ادوراها في هذه الرواية التي تفرض على القارئ نمطية معاكسة للجمال او لقبح الحياة التي تتفاعل معها الشخصيات بمشاعر متناقضة. هجرة عشوائية بلا سند ، ومفردات لفتاة لم تكن مواطنة لتمنح ارضا في الوطن، ولا لاجئة قديمة مستقرة كذلك ، فالقاموس الروائي تركه مفتوحا على مصراعيه استنكارا من مدينة " يمكن بسهولة شديدة أن يتحول فيها طائر الغراب المنبوذ شكلا وسلوكا الى دونجوان منتقداً المجتمع بتبطين ذي ايحاء يحيله الى نماذج تشبيهية مغموسة بالابعاد، وهاربة من شوارع تؤدي الى شوارع تقطنها هاربة من عرس الدم ، وبتصوير تعبيري ينقل القارئ من معنى الى معنى بفن شاعري مثقل بلهجات الاسى ، والحرمان لطبقة اجتماعية توحدت فيها معالم الغموض التي نتبع خيوطها بمحاولات لفك شيفرة شخصياته ورموزها المرافقة لوجودها او اختفائها دون التغاضي عن اهمية الجوانب التقنية للحبكة الروائية وتوجساتها الاجتماعية والسياسية، والسياق الزمني المرهون بالتساؤلات والاستحضارات التخيلية لاحداث كثيرة تجري في العالم، فهل الرواية هي فكرة احدث متعددة من منظور تاريخي اجتماعي سياسي؟ فلسفة الهوية والوطن ومشكلات الحروب والنزوح مع بؤر التعاسة التي يحاكيها بوطنية مجروحة ومع رواد السجون " وسخرية الحياة التي تجعلك ممزقا في بلد لا يستقبلك بأدنى حد من الحفاوة، ولا يطردك عن أرضه بصراحة " فاتحا بذلك مسرحه الروائي امام الافكار التي تستند الى ابعاد التاريخ والحقبات المتتالية عبر الاجيال والبحث عن مدلولات اساسية لبناء الاوطان القادرة على ضم اهلها، ويقومية تتمرد على ذاتها، لتنتج سمات انسانية تتسع وتضم النبلاء الذين لا وجود لهم في الرواية، ومنعطفاتها الاستسلامية او تلك التي تقاوم فن الامتلاك بالقوة تحت مسميات متعددة عاكسا النزعة الفكرية، والاستغلال الاجتماعي الذي يمارس على الشعوب المستضعفة، والتي تبحث عن ذاتها في ظل مستنقعات يتقهقر فيها الفرد تبعا لعمره او قوته او مكانته التي اوجدها بوسائل غير نظيفة او شرعية، وبغزل وطني ساخر في بعض منه مشيرا الى البلدان التي تبقى دون دعم من احد وتتشرذم وتصل الى اقصى حالات السوء دون رعاية من احد. رواية ذات رؤية انتقادية سياسيا واجتماعية، وبسخرية رمزية كالثوب الاصفر المطعم بالذهبي او اللون المحرض، وحتى الاسلوب المملوء بالاسقاطات والتشابيه، والمناورات الفكرية الممزوجة بتأثيرات عديدة. ان من حيث يسقط بيع الشاي ..والنزوح الاريتيري او الاثيوبي ومشكلات النفس التواقة الى المجد ، فهل يتوقف الخنجر الاحتلالي المتلون في المنتصف بين الموت والحياة ، كما توقف خنجر عبدالقيوم ام ان القارئ هو الافكار التي يتصارع معها" امير تاج السر " منذ البداية وحتى النهاية؟

عن صحيفة المدى

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم