أفغانستان هذا المكان السحري الذي جمع فتن الجمال المتعددة بين تراث غني بأساطير والحكايات وزخم شعري وسحر أنثوي وطبيعي، كانت الحرب قد مرت عليه من الشيوعيين إلى الإسلاميين فكمّمت أفواهه وثقبت جسده ليسير الأحمر والأسود لوني الرعب والموت سجادة أفغانستان الأوسع. على هذه السجادة القابضة للأرواح نسج "عتيق رحيمي" روايته "ألف منزل للحلم والرعب" في ترجمة اسكندر حبش عن منشورات الجمل، الرواية التي أسماها نقاد فرنسيون بـ"المتاهة" في استحضار لرمزية المتاهة منازل كثيرة و تيه كثير و حلم عالق بين بين. يعود "عتيق رحيمي" للموروث الثقافي الشعبي والميثولوجيا الدينية لاستحضار صورة أفغانستان عبر شخصيتي "الملا دام الله سعيد مصطفى" وجد فرهد" فرهد الذي وجد نفسه في متاهة الرعب وبطش الحرب ذات ليلة وهو الشخص العادي والذي لم يعرف انتماءً سياسيّاً. انطلاقاً من هذه الليلة ينسج عتيق رحيمي النسق السردي لروايته معتمداً على تقنياته السينمائية ليخيط مشاهدة كابوسية سينمائية ارتكزت على التقطيع واللصق ليزاوج سردية الرواية بماهرة كاملة ومن دون إفلات لأي خيط من خيوط روايته. تميزت رواية "ألف منزل للحلم والرعب" بالتزامن كأسلوب سردي يحيل لجملة من الدلالات والرموز التي أراد "عتيق رحيمي" تمريرها من خلال الصراع الذي يجد بطله "فرهد" نفسه أسيره بين الوعي واللاوعي يخيط "عتيق رحيمي" زمنين ليرسم الصورة الحمراء لأفغانستان بين عقاب الله في صور الطفولة المستوحاة في حكايات جد فرهد عن الملا دام الله سعيد عن صورة الموت والقبر والجن ورحلة الانتقال الروح من الجسد بعد الموت للسموات السابعة وبين الدكتاتورية السوفياتية وما مارسته من قتل وتعذيب وحشي لمعارضيها. بين رعب ورعب ينقل الكاتب بطله بين كابوس واعي إلى أخر لاوعي ويثقبه بوجه "منهاز" مثال الأنثى الأفغانية وصوت يحيي ينادي والده الشهيد، منزل منهار يشكل "نموذجا" صادقا للمنازل الأفغانية حيث ضم زوجة استشهد زوجها تعيش أرملة تحت وطأة العادات التي تحكم عليها بأن تكون زوجة مفترضة لأخيه ويضم أخاه الشاب الذي شاب شعره وفقد عقله وصوته وأضحى تائها في شوارع ظلمته التي شكلها الاعتقالات والتعذيب ويحيي الطفل الذي ينادي والده وهو يعيش بين حلمه (عودة الأب) وواقعه الانتظار ليخرج عليه "فرهد" ويجسد هذا الحلم مؤقتا وكأنه فعلاً قد أمسك بيد والده في الحلم و جاء به للواقع كمان كان يقول لمنهار والدته. الرعب عند عتيق رحيمي متعدد الصور، أفغانستان صورته الكبيرة بين موت وحرب، ثمة صورة أخرى خصص لها كاتب حيزا كبيرا في رواية وهي صورة الرعب الأنثوية من خلال شخصية الأم وهلوسات فرهد حول قلقها من عدم عودته تلك الليلة وبين صورة ووجهها من خلال ملامح وهو يصف رعبها المتشكل في ملامح ووجهها كأنه جزء منها ليحكى قصة النساء والخوف الساكن في تفاصيل حياتهن حتى الجنسية منها _أن تكون أنثى مرعوبة أي أن تكون خاضعة_. ضمن هذه السردية الشاعرية يسوق عتيق رحيمي تعاطفه اللاشعوري تجاه الأنثى، تعاطف جاء نتيجة قهر تراكمي لهذا الكائن البشري عبر تاريخ أفغانستان الطويل ليفرد لها مساحة واسعة لتنثر صوتها، هذا الإعلاء لصوت الأنثى نجده في أغلب روايات عتيق رحيمي ولعل رواية "حجر الصبر" أكثرها تميزا، هنا في "ألف منزل للحلم والرعب" لم يغيب هذا التعاطف "منهاز هنا مثلت ذلك الصوت وهي تحكى قصتها أو قصصها من خلال علاقتها بأخيها وعائلتها أو عائلة زوجها وحتى علاقتها بزوجها/ الأم التي يهرب زوجها مع امرأة أخرى وتكتم غضبها وحزنها وبكاءها لتسوقها كفعل هادئ في ترتيب بيتها/ الأم التي تجد نفسها بين ليلة وضحاها مجبرة على توديع ابنها وكتم هذا الفقد لتبكى دون صوت...". صورة الرعب تكمل نسج دائرتها حول فرهد حتى بعد أن نجح مساعدة والدته والمهرب في الهروب من كابوس كابول والتوحش السوفياتي ليجد نفسه عالقاً على الحدود الباكستانية في كابوس أخر وهو كابوس الإسلاميين ليجد بطل عتيق رحيمي نفسه داخل جامع لطالبان ليزامن من جديد أو بالأحرى يماهى الكاتب بين صورة "يوسف " الذي كان الشيخ يقرأ سورته وبين فرهد وبين والد يوسف و والدته والملتحدين هم أخوة يوسف ليخرج درويش ويقوده لنبع ماء و يدله على طريق الرحيل ناصحا فرهد بالتعلق بعنقه دون سواءه /هناك سيقتلون روحك (أفغانستان) وهنا سيقتلون جسدك (باكستان). يسوغ عتيق رحيمي روايته بلغة شاعرية استلهمت من الموروث الثقافي و الديني وحكايات الحرب بوصفة الركيزة السردية الأساسية التي تعانق المعقول بالامعقول ليخلص القارئ في النهاية إلى أن إيديولوجيات التعصب واحدة وإن اختلفت التسميات بين الشيوعية والإسلامية وحتى العادات والتقاليد التي تمارس تعصبها تجاه المرأة، التعصب الذي يجعل من ملامح أفغانستان وملامح البشر مسكناً للرعب ومرتعاً لأشباح الموت.

كاتبة من تونس

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم