نسمع كثيراً عن التلوث السمعي، وعن التلوث البصري... ألا يوجد أيضاً تلوث قرائي؟ 
هل يمكن لذائقة القارئ أن تعتاد على قراءة الرديء أو متوسط القيمة، ومع مرور الزمن سيصبح القارئ يرى هذا الرديء أو المتوسط القيمة ذا قيمة فنية عالية؟ بل ربما يراه أعلى درجة في الإبداع؟ 
كيف يمكن حماية الذائقة من التشوّهات التي يمكن أن تحلّ بها دون أن ندري ونشعر؟ 
هل علينا أصلاً أن نحمي ذائقتنا؟ 
أنا أقرأ لأتسلى. وهذا حقي. فلماذا عليّ أن أفكّر بما هو أبعد من التسلية أصلاً؟ 
هذا ردٌّ قد يقوله أي قارئ. وهو رأيه الذي يخصه، والذي أرى أن من واجبي احترامه، واعتبار "التسلية" هدف نهائي وأوحد لأي شخص في هذه الدنيا. 
ولكن، هل هذا الرأي يؤثر عليّ كقارئ أولاً؟ 
شخصياً، كنت أخشى قبل عدة سنوات من أن يأتي اليوم الذي لن أجد فيه كتباً تناسبني لأقرأها. 
وأنا أشاهد إعلانات الإصدارات الجديدة لعدد من دور النشر العربية هذه السنة، بدأت أشعر أن ما أخشاه بدأ يتحقق. دور نشر كنت مهتماً ب80% من إصداراتها السنوية في ما سبق، أجد أنني هذه السنة مهتم ب20% فقط من إصداراتها الجديدة، لأن معظم كتبها صارت تجارية. 
ومعظم دور النشر التي لم يجر عليها هذا التحول تحصل على دعم حكومي ما.. أو أن بعضها ينتج عناوين مهمة لكن بترجمات رديئة، أو بتحرير رديء، أو... 
أعرف كل ما سيقوله هؤلاء الناشرون دفاعاً عن استمرار مؤسساتهم، وأعرف أني ربما بعد سنين قلائل سأكون في موقعهم نفسه. إما الإغلاق وإما الاستمرار بشروط السوق. ولكن مع ذلك، لا يمكنني إلا أن أحزن اليوم. أحزن على نفسي كقارئ أولاً. 
في كتابها (التنوع البيبليوغرافي) تقول "سوزان هاوثورن": 
أن دور النشر العملاقة لا تشجع الكتب الأصيلة، الذكية، التي تحمل مخاطرة أو ابتكار.. بل تركّز على التشابه، على اتباع معادلات تستند لآخر النجاحات الساحقة، وإنتاج حبكة تماثل مع بعض التعديلات حبكات أخرى حققت نجاحاً. وأن هذه الحبكات أو الأفكار تكون أحياناً سامة، مشوّهة للأفكار الأصلية.. 
وهذه الدور مع متاجر الكتب الضخمة تستطيع التخلص من أي شيء مختلف وتسطيحه، وبالتالي جعل كل المنتجات الثقافية منتجاً بقياس واحد يناسب الجميع.. 
ومع مرور الوقت ستتغيّر توقعات الزبائن أو القراء، فيتوقفون عن طلب كتب منقّحة بشكل جيد، ومبنية بإبداع.. وبدلاً من ذلك سيحصلون على كتب مكررة، فارغة، سهلة التنبؤ وتبسيطية. بدلاً من الحصول على كتب تكتبها الأصوات "المُخاطِرَة، المُبتَكِرَة، الجدلية، المُهَمَّشة، والمُتَخَيِّلة".

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم