تانيغوتشي ساتشيو

فاز الكاتب الياباني كاواباتا ياسوناري بجائزة نوبل في الأدب لعام 1968 عن أعماله المكتوبة بإتقان روائي وإحساس مدهش. وفي هذه المقالة تستعرض الأكاديمية تانيغوتشي ساتشيو الروابط بين الفن والعالم الأدبي لكاواباتا الذي يعتبر واحدا من أهم الأدباء اليابانيين الذين نالوا شهرة عالمية لم تتراجع إلى اليوم.

ما الذي يثير فكرة عمل أدبي؟ كيف يتحول هذا من خلال العملية الإبداعية إلى النص نفسه؟ في حين أنه قد يكون هناك العديد من الإجابات المختلفة على مثل هذه الأسئلة، يأتي الإلهام في بعض الحالات من لقاء مع إحدى اللوحات الفنية.

عندما سافر الكاتب الياباني كاواباتا ياسوناري إلى كانازاوا في نوفمبر من عام 1947 لإزاحة الستار عن نصب تذكاري للكاتب توكودا شوسي، شاهد أيضا لوحة قابلة للطي من ستة أجزاء. كان كاواباتا أيضا جامعا للتحف الفنية، فقد اقتنى الكنزين القوميين “الثلج المغربل عبر سحب مجمدة” لأوراغامي غيوكودو و”10 مزايا و10 متع” لإيكي نو تايغا ويوسا بوسون. حُدد كلا العملين الفنيين – حاليا ضمن مقتنيات مؤسسة كاواباتا ياسوناري – ككنز قومي بعد أن اشتراهما، ما يشير إلى حدة نظر عينيه تجاه الجمالية الفنية. ولكن تقدير الفنون لم يكن مجرد هواية لكاواباتا، فاللوحة التي شاهدها في كانازاوا حفزت إبداعه.

الكمال الأدبي


عندما نظر كاواباتا إلى اللوحة القابلة للطي كان يقترب من مرحلة جديدة في تطوره الأدبي تميزت بدايتها بإكمال روايته “بلد الثلج”، التي فازت لاحقا باعتراف دولي باعتبارها تحفة فنية.

ولد كاواباتا في إيباراكي بمحافظة أوساكا عام 1899، وصنع لنفسه اسما كمؤلف جديد مع القصة القصيرة لعام 1926 “الفتاة الراقصة من إيزو”، والتي تدور أحداثها حول تعرف طالب على فرقة مسرحية. وأثبت نفسه أيضا في عمل تقرير بين 1929 و1930 بعنوان “عصابة أساكوسا الحمراء” وتقرير بعنوان “تخيلات كريستالية” عام 1931 والذي وظف فيه أحدث طريقة لتيار الوعي، وقصة “الطيور والوحوش” لعام 1933 عن رجل كاره للبشر لا يمكنه إلا أن يحب الطيور والحيوانات الصغيرة. وبعد ذلك بدأ في كتابة “بلد الثلج”.

يسافر شيمامورا بطل رواية “بلد الثلج” من طوكيو بالقطار الذي يخرج من نفق ليصل إلى بلدة ينابيع مياه حارة في “بلد الثلج” عنوان الرواية. ينجذب هناك إلى تضحية فتاة غييشا صادقة اسمها كوماكو، بينما يبقي نفسه على مسافة منها. يصور كاواباتا ببراعة علاقتهما غير المثمرة من خلال تقنيات تعبيرية مثل ارتباط الصور والتلميحات المجازية والسرد الحر الذي لا يتركز على وجهة نظر معينة.

أشار إيتاساكا غين، المحاضر في الأدب والثقافة اليابانية في جامعة هارفارد لسنوات طويلة، إلى الطريقة المبتكرة التي استخدم بها كاواباتا طريقة سينمائية للتعبير بشكل غير مباشر عن كل من الأجواء المليئة بالحيوية والمسافة التي تفصل بين الاثنين من خلال تعمد الوصف عن قرب لشفاه ورموش كوماكو. كاواباتا بارع في استخدامه للتقنيات الأدبية لخلق عالم من الجمال والإثارة، ويمكن القول هنا إنه أوصل أعماله الأدبية إلى مرحلة من الكمال.

جُمعت رواية “بلد الثلج” بطريقة غير عادية، حيث ظهرت في الأصل كأجزاء قصيرة منفصلة في مجلات مختلفة من عام 1935. وحتى بعد نشرها باسم “بلد الثلج” على شكل كتاب في عام 1937، استمر كاواباتا في كتابة القصة وتحرير ما كتبه حتى ذلك الوقت.

بعد نشر تتمة للقصة في مجلة “شوسيتسو شينتشو” في عام 1947، تم نشر نسخة منقحة من كامل الرواية وصفت بأنها “النسخة النهائية” في عام 1948. ولكن كاواباتا أجرى تغييرات أخرى عندما تم تضمينها في أعماله المجمعة. بعد إقدامه على الانتحار في عام 1972، عُثر على مخطوطة مكتوبة بخط اليد لنسخة مركزة ومختصرة من القصة. لقد كانت بالفعل عملا صبّ فيه كاواباتا من قلبه وروحه حتى وفاته.

وفي حين أن تأليف “بلد الثلج” كان عملية معقدة، فقد قاد الجزء الذي نشر في المجلة عام 1947 إلى نهاية مؤقتة للعمل، ويمكن للمرء أن يتخيل أن كاواباتا قد وصل إلى محطة رئيسية في رحلته الأدبية. ومع الإصدار النهائي لـ”بلد الثلج” في العام التالي، كان الوقت قد حان لإجراء التحضيرات لطرح أعماله المجمعة. على هذا النحو، جاءت مواجهته مع اللوحة القابلة للطي في كانازاوا عندما كان يجمع أجزاء عمله التي تعود إلى فترة ما قبل الحرب ويبحث عن وجهة جديدة.

إلهام الخريف

Thumbnail

أي نوع من اللوحات كانت؟ كتب كاواباتا في رسالة وجهها إلى الكاتب شيغا ناويا عن مشاهدة “لوحة الأقحوان” للفنان الياباني أوغاتا كورين في متجر للتحف الفنية القديمة في كانازاوا. اللوحة مكونة من ستة أجزاء وهي إحدى لوحتين متناظرتين، ورسمت أزهار الأقحوان فيها باستخدام “غوفون” (صبغة بيضاء مصنوعة من صدف مهشم) على خلفية ذهبية.

ثم بدأ كاواباتا تأليف عمل شهير آخر له هو “صوت الجبل”. وعلى غرار “بلد الثلج” نشر العمل في البداية على شكل أجزاء متفرقة في مجلات من عام 1949 إلى سنة 1954 قبل أن يتم ترتيبها في عمل واحد. على خلفية مجتمع مدمر بعد الحرب، تتمحور رواية “صوت الجبل” حول رجل أعمال ستيني هو أوغاتا شينغو، ويعالج العمل قضايا الشيخوخة والأسرة.

يأتي العنوان من الصوت الذي يسمعه من الجبل خلف منزل أوغاتا في كاماكورا بمحافظة كاناغاوا، والذي يخشى أن يكون علامة على الموت الوشيك. بالإضافة إلى المخاوف بشأن صحته، فإن علاقات أبنائه المتدهورة مع أزواجهم هي سبب آخر لحزن قلبه. وفي حين أنه يمر بأيام قاتمة، يرى شينغو في كيكوكو زوجة ابنه، صورة أخت زوجته التي كان يتوق إليها عندما كان في ريعان شبابه. وبينما ترتبط شقيقة زوجته المتوفاة بأوراق الخريف التي أخذت للتو لونها، تستدعي كيكوكو في الأذهان صورة الأقحوان (كيكو) التي هي جزء من اسمها. ويزداد جمال كلتيهما في فصل الخريف.

عندما كان كاواباتا يكتب عن الامرأتين اللتين كان شينغو يتوق لهما في رواية “صورة الجبل”، ربما أوحت اللوحة القابلة للطي له فيما يبدو بفكرة كيكوكو، بينما طور شخصية أخت زوجته بأخذ مزيج تقليدي من الأقحوان وأوراق القيقب في عين الاعتبار. لقد تأثرت بمجرد التفكير بوجود رمز في العمل يُظهر أن اسم أوغاتا كيكوكو مشتق من لوحة الأقحوان للفنان أوغاتا كورين. وهكذا فقد ألهم الفن التقليدي المرحلة التالية من رحلة كاواباتا الأدبية.

يظهر اهتمام كاواباتا غير العادي بالتناغم بين الفن والأدب الذي يمكن العثور عليه في طبقات عميقة من أعماله

بعد اكتمال سلسلة أجزاء “صوت الجبل” في عام 1957، عمد كاواباتا إلى زيارة دير وستمنستر في لندن. وكتب في عمله “10 قصص عن كبرياء الذات” لعام 1962 أنه أثناء الاستماع إلى الجوقة تغني في الدير، تذكر فجأة أعمال أوغاتا كينزان شقيق أوغاتا كورين. ومن الممكن تمييز اهتمامه بمدرسة الرسم “رينبا” من تاوارايا سوتاتسو وهونأمي كوئتسو إلى أوغاتا كورين وكينزان. إن استحضار جمال اليابان في لوحات رسمها كينزان أثناء وجوده في أرض أجنبية جعله يشعر بالحنين إلى الوطن.

الأعمال المذكورة بالتحديد هي “طيور وزهور الأشهر الاثني عشر” لفوجيوارا نو تيئكا استنادا إلى شعر واكا لتيئكا، و”ثمانية جسور” من مشهد من “حكايات إيسي”، و”سلال زهور” التي تصور سلال زهور في الخريف، وشعر واكا للأديب النبيل الذي عاش في العصور الوسطى سانجونيشي سانيتاكا، و”طيور وأزهار الفصول الأربعة” وهي زوج من اللوحات القابلة للطي مرسوم عليهما طيور أبوقردان ونباتات موسمية. ومن المعروف أن العمل الأخير كان ضمن مجموعة كاواباتا، وتصور اللوحة اليسرى أوراق القيقب الخريفية والأقحوان الأبيض اللذين يتوافقان مع الامرأتين في رواية “صوت الجبل”. ولقد أسهمت سيمفونية أعمال مدرسة رينبا في إبداع الرواية.

ويتطرق كاواباتا في “10 قصص عن كبرياء الذات” إلى نظرية المؤرخ الفني كوباياشي تايتشيرو بأن شخصيات من “حكاية غينجي” ممثلة في الزهور والطيور في “سلال زهور” و”طيور وأزهار الفصول الأربعة”. ويُظهر هذا اهتمامه غير العادي بالتناغم بين الفن والأدب الذي يمكن العثور عليه في طبقات أعمق من أعماله.

ومن بين أعمال كاواباتا اللاحقة رواية “البحيرة” لعام 1954 التي تروي قصة مطارِد عنيد في منتصف العمر، ورواية “بيت الجمال النائم” لعامي 1960 و1961 التي تدور أحداثها في مؤسسة ينام فيها كبار السن بجانب شابات جميلات تناولن أدوية منومة. واجتاحت مثل هذه الأعمال أعماق النشاط الجنسي البشري ووسعت عالم كاواباتا الأدبي. وفي عام 1968 تم تكريمه كأول فائز ياباني بجائزة نوبل في الأدب.

عن صحيفة العرب 

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم