"بكثير من الحزن والحسرة نطل على هاويتنا الثقافية السحيقة ولا نعيها جيدًا إلا حين نقارن طبيعة العلاقة التي تربط المواطن العربي بالكتاب الإبداعي والثقافي بواقع حال العلاقة التي تربط القارئ في اللغات الأخرى، وفي البلدان الغربية أساسًا بالكتاب الإبداعي في لغاتهم".

أمين الزاوي من مقال في الاندبندنت العربية ٦ يناير 2022 (لماذا لا يوجد كاتب عربي واحد يعيش من كتبه)

بتُ كثيرًا ما أعود لهذا المقال المحزن بقلم كاتب ومفكر جزائري كبير، كلما أُصبت بإحباط أن مبادرتي *محلك سر* رغم ما أضافه ملتقى صيدلية الكتب من إلمام بأقلام عربية ذهبية، ألمح كثيرٌ من الأصدقاء أنهم لم يقرؤوا لهم قبلًا.

أي مبادرة؟ #كٌتابنا_أولى_بقراءاتنا، انطلقت من صفحة صيدلة الكتب التي صدرتُها أثناء الجائحة كمساحة شخصية ممارسة عبرها الحديث عن الكتب، ذيلتها حينذاك ما بين مهنتي كصيدلانية وشغفي بالقراءة.

أكبر دافع لإطلاق المبادرة بدأ مع استكشافي لكتابات إبداعية عربية إما مهملة إهمالًا تامًا، أو تلقى نقدًا لاذعًا سطحيًا، غير موضوعي على الأغلب خاصة حين عقد مقارنات بسيطة مع نفس الأحكام على كتابات غربية بذات المستوى.

أمر آخر أصفه بطرافة هو تساقط أسماء الكُتاب والكاتبات علي يوميًا كلما تبحرتُ باحثة هنا وهناك عن أدباء ومفكرين عرب.

مغامرة ربما استهلال نقاشات الملتقى برواية ضخمة ك"رام الله" لعباد يحيى من فلسطين، لكنها بانت بداية ميمونة لحكاية ملحمية تغطي زهاء قرن عن بيوت المدينة و ساكنيها.

“تبحث المدن عن تاريخها أو تصنعه، تنبش الأرض وتنظف الحجارة وتقرأ ما حفر السابقون وخطّوا. أو تختصر الأمر وتصممه، تنحته من الحكاية فيصير النحت جزءًا من حكاية لاحقة".

تحولت معظم الملتقيات من نقاش رواية أو كتاب فكري إلى مجمل أعمال الضيف، كما حدث مع حبيب سروري-اليمن، جان دوست- سوريا، سعد البازعي- السعودية، علي حسين- العراق، غيث البطيخي- الأردن، كاتيا الطويل -لبنان، سعيد يقطين- المغرب، طارق الطيب- السودان، ونادر كاظم من البحرين.

في حين تمكن الأصدقاء الأعضاء الالتزام برواية ربيعة جلطي "جلجامش والراقصة"- الجزائر "دلشاد" بشرى خلفان- عُمان، "البراني" للموريتاني أحمد ولد أسلم و "البدايات والنهايات" لمحمد شعير من مصر.

لفت سروري أن تكريسه لأبو العلاء المعري في معظم كتبه، خاصة رواية "تقرير الهدهد” وكتاب “لا إمام سوى العقل” إيمانًا بمشروعه الجاد السابق لعصره ويحتاجها عالمنا الآن، فالأخلاق والفضيلة غاية بحد ذاتها، إضافة أنه كشاعر أفضل من امتلك زمام اللغة العربية.

"لايوجد في الحياة ما هو أهم وأصوب وأسمى من التمرد الصامت" وحي

في إشارة لكتابه " أولاد حارتنا -سيرة الرواية المحرمة" أوضح محمد شعير أنه رغب تدوين تاريخ مئة عام من نهضة مصر، فارتأى مسيرة الكاتب الكبير محفوظ خير انعكاس لها.

"كانت أولاد حارتنا حالة خاصة، بحسب وصف محفوظ نفسه، لم تعد مجرد رواية طرح فيها أسئلته حول العدل والحرية، بل صارت تمثيلًا لحكايتنا مع السلطة، والرقابة، حكاية المجتمع نفسه وتوقه للتفكير خارج الخطوط الحمراء، صارت الكتاب/الرمز لمعركة ثقافية واجتماعية وسياسية لم تنته بعد، بل تتخذ كل فترة شكلًا جديدًا ومثيرًا"

تحدثت ربيعة جلطي عن ترجماتها للشعر الكوبي، لبورخيس وقرأت للملتقى بعضًا من شعرها بعدما تطرقنا لروايات “نادي الصنوبر” ، “قلب الملاك الآلي" و"عرش معشق".

"القبح لا وجود له إن لم يجد من يحس به وينعكس على صفحة نفسه" عرش معشق.

حفلت رواية "كوباني" الأضخم حجمًا بين كتب الروائي الكردي السوري جان دوست بتفاصيل سيرة ذاتية بديعة، بان أهمها تلك الساعة الخشبية التي شاركنا دوست تمكنه الحصول عليها وإحضارها لمنزله في ألمانيا.

"الكتب سجون تقيم فيها الأفكار والعلوم، لا يحررها إلا المترجمون" نواقيس روما.

أراد سعد البازعي الاحتفاء بكتابه الأخير "معالم الحداثة" إلا أن الحوار اتسع لكتبه الأخرى مثل “هموم العقل" و "قلق المعرفة" لتظهر ثقافته المديدة وفكره التنويري، تأثره بالمسيري.

"القلق هو ناتج الوقوف أمام الاختلاف، اختلاف الثقافة عن ثقافة أخرى، أو هو ناتج الأسئلة المحيرة التي لا تتوقف المعرفة عن طرحها والتنامي من خلالها سواء كان ذلك أمام المفكر أو الشاعر أو الفنان" قلق المعرفة - إشكاليات فكرية وثقافية.

من حسن حظ الملتقى ترتيبه نقاش "دلشاد" قبل أن تُرشح حتى لقائمة جائزة البوكر الطويلة، أمسى يومها اللقاء تجوالًا في عٌمان مع روائية جعلت من روايتها رسمًا لمدن بلادها وقراها، فشرحت كيف كتبتها، كما حكت عن تحولها من القصة للرواية.

"أنا الموقعة أدناه أقر وأعترف بأنني أرغب بمقايضة ابتسامة بغيمة أو عصفور أو قبر" غبار.

تساءل معظمنا ونحن نتناول قلم علي حسين عن الكتب " في صحبة الكتب "،" سؤال الحب”، "أحفاد سقراط”، "دعونا نتفلسف” و”غوايات القراءة” عن أسباب تركيزه على أقلام أجنبية! بقي الجواب مغيبًا لتخلف المفكر العراقي عن موعدنا دون أسباب.

"بالنسبة لي ليس مهمًا أن أكون قارئًا، بل يجب أن أكون قادرًا على بث الشغف بالقراءة عند الآخرين" غوايات القراءة.

" البراني" رواية الحداثة السائلة، استشراف للمستقبل بناء على الواقع الحالي، حضر في ملتقاها الشاي والموسيقى الموريتانية، بعد إفطار رمضان، دارت الأسئلة للأستاذ أحمد عن الادب الموريتاني وعادات البلد التي تجلت في أحداث روايته.

"ما ترونه الآن من إحداث في مختلف أنحاء الكوكب هو نهاية للعالم الذي تعرفونه وبداية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الأرض".

من الأردن، دام ملتقانا بغيث البطيخي أكثر من ثلاث ساعات، بطروحات مفتوحة حول كتابيه "إن كنت تبحث عن الله" و”هذا ما وجدنا عليه آباءنا" داعيًا بكل بساطة للتفكر وعدم الأخذ بالمسلمات دون البحث والتدبر.

بدت ”الجنة أجمل من بعيد” للكاتبة اللبنانية كاتيا الطويل، رواية نضج عبرها قلم الكاتبة، أضاءت رؤيتها الأكاديمية للكتابة النقاش، لتبدي رهانها الواضح على القارئ وتأويلاته.

"أن يكتب المرء يعني أن يخرج المرء أمامكم عاريًا، أن يذهب الى الحرب أعزل، أن يبدأ عالمًا جديدًا من عالم ناقص، أن يبني من كل شيء ومن لا شيء في الوقت ذاته".

في حديث مطول عن الأدب والرواية، السرد والخطاب العربي، خلُص الناقد سعيد يقطين أن الأدب الرفيع هو ما يتفاعل مع الإنسان، ما يرتقي بالقارئ إلى المستوى الإنساني.

"إن الوظيفة الأولى للكتابة الأنثوية هي التواصل، وتفجير الكلمة المتحررة في الصمت، أو التي تمارس نوعًا من الثرثرة المقبولة" قضايا الرواية العربية الجديدة.

بين طارق الطيب الفروقات بين القارئ العربي والغربي، ملوحًا لأهمية ما قدمته له النمسا من دعم مادي ليؤلف، رغم انه يكتب بالعربية، وبدا بشكل جلي ارتباطه بالشرق، على أنه ممتن لحاضره وحياته التي أسسها في المغترب.

"أنا هنا لا شيء موجود أو غير موجود سيان، اذاً لأرحل. فربما استطعت لم شتات روحي التي تبعثرت وتطايرت في كل مكان" بيت النخيل.

نقاش نادر كاظم حول مؤلفاته المدهشة، أبدى جلده وبحثه الدؤوب، منهجيته في الكتابة، قلمه السردي المتمكن لغة وسهولة، وذلك في إحالة لمفاهيم مؤرقة عن الهوية، الأمة، اللغة و كراهية الآخر. وقد خص كاظم الملتقى خبر ترجمة كتابه"تمثيلات الآخر" للانجليزية في كندا.

"إن الأمة مبدأ معنوي، فهي تعبير عن إرادة البشر في مواصلة العيش المشترك، وعن مدى التزامهم بالعيش سوية في دولة واحدة" أمة لا اسم لها

تقاسمت تسيير ملتقيات صيدلية الكتب، بتشريف كُتابها الأفاضل، مع صديق طبيب من فلسطين، مساء آخر أربعاء منكل شهر، على تطبيق زوم، بمشاركة قارئات وقراء من أنحاء العالم.

عالم كُتابنا العرب الآسر فتح لنا آفاقًا عثرنا فيها على كنوز إبداعية، فكاتب يدل على آخر، وكتاب يرنو لمثيله.. جميعهم يستندون علينا كقراء ..

الكاتب يتكئ على قارئ ماهر، يجد نصه، فيستوعبه واعيًا مدى ما أمضاه راويًا كان أو مفكرًا، شاعرًا أو قاصًا من أيام وليال طوال لينجم عنها مؤلفات نسعد ونفخر بها معرفة ومتعة، وجه ثقافي حضاري يمثل شعوبنا العربية.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم