القاهرة - لعله أصبح معتادًا أن يثير فوز أحدهم بجائزة نوبل للآداب عاصفة من الانتقادات والنقاشات حول استحقاق الفائز للجائزة من عدمه، وكنّا نظن منذ أعواك حينما أثار فوز "بوب ديلان" بالجائزة عام 2016 أن الأمر يتعلق بقناعاتهم الشخصية بالفرق بين من يفترض أن يكون حائزًا على الجائزة، وأن تكون أعماله الأدبية ذات قيمة كبرى، تختلف على الأقل عمّا يقدمه بوب ديلان كمغنٍ وملحن، ولكن الجدل حول نوبل وجائزتها الأدبية تحديدًا لم يتوقف، ففي الأعوام التالية شهد أيضًا فوز آشيجورو وتوكارشوك وبيتر هاندكه عددًا من الأسئلة والنقاشات حول الاستحقاق الأدبي، وما إذا كان صاحب الجائزة حائزًا عليها بسبب جنسيته أم انحيازاته أم إنتاجه الأدبي الذي يستحق بالفعل تلك الجائزة الكبرى أم لا، بل عاد الجدل إلى ذروته مرة أخرى مع فوز الشاعرة لويز جلوك بالجائزة في العام الماضي.

إلا أن فوز الروائي التنزاني "عبد الرزاق قرنح" بالجائزة هذا العام فجّر عددًا من الأسئلة وأثار الكثير من ردود الأفعال بين المثقفين العرب بشكلٍ خاص، لاسيما أن الرجل رغم الذي يكتب بالإنجليزية ورغم وصول عدد من رواياته إلى قوائم قصيرة في الجوائز العالمية الغربية (بوكر العالمية ولوس أنجلوس تايمز) لم يترجم له للعربية أي من أعماله، التي تعد أشهرها رواية "الجنة" الصادرة 1994، والهجران 2005، وعن طريق البحر 2001.. وغيرها، ولعل أكثر ما لفت نظري في ردود الأفعال تلك هو ما دار حول العلاقة الملتبسة دومًا بين الناشر والقارئ، وكيف يلقي كل طرفٍ منهم التهمة على الآخر، بين طرفٍ يرى الناشر غير مهتم تقديم الأعمال الأجنبية المهمة والبارزة، وناشر يرى أن القارئ لا يغامر بقراءة عملٍ غير مشهور أومعروف، ولايمكنه بالتالي قراءة ولا الإقبال على عدد من الروايات والأعمال المترجمة التي لا يعرف أصحابها.

أحببت أن أرصد هنا فقط وجهة نظر عدد من العاملين في مجال النشر، والمهتمين بالقراءة علنا نصل إلى حل وسط

على صفحته على فيسبوك كتب فايز علام (صاحب دار سرد للنشر)

يدخل إلى المكتبة ويسألني عن أحدث الإصدارات. أشير إلى "الحب في القرن الجديد" رواية للكاتبة الصينية "تسان شييه"، فيقول: (رأيت إعلانكم عنه على صفحتكم... لكن الكاتبة غير معروفة. بحثت عنها على الإنترنت والمعلومات قليلة. وبحثت عن كتبها علىgoodreads والتقييمات قليلة ومنخفضة. أفضّل شراء الكتاب الجديد لهاروكي موراكامي. هل وصل؟)

تدخل إلى المكتبة. تشير إلى "كتاب الأسرار" لـ "م.ج. فاسانجي" ثم تسألني لماذا أختار أن أنشر كتباً غير معروفة لكتّاب غير معروفين؟

بعضهم أكثر "ثقلاً" سيسألني باستغراب: "لماذا تترجم أدب إفريقي؟".

يدخل إلى المكتبة، ويخبرني عن أن "لوكليزيو" الكاتب الحاصل على نوبل للآداب عام 2008: (ما بيعرف يكتب. ممل. قرأ وقرأ ولم يجد الحكاية ولا الحبكة)

هذه نماذج من حوارات تحدث يومياً. وطبعاً ليس لدي أدنى شك أن كل الناشرين الزملاء يعانون منها...

علماً أن:

1- تسان شييه كاتبة صينية مهمة جداً، ويرد اسمها دائماً في توقعات الصحف العالمية لمن سيفوز بنوبل. ولا أستبعد أن تفوز في السنوات القادمة.

2-فاسانجي كاتب كيني مهم. وحاصل على جوائز عديدة. وتقييماته علىgoodreadsأعلى من تقييمات الحاصل اليوم على نوبل مثلاً (طبعاً التقييمات وموقعgoodreads كله ليس معياراً، ولكن فقط للتنبيه وملاحظة المفارقات).

3- لولكليزيو عظيم!

ثم: يفوز كاتب لا يعرفه أحد من القراء العرب ولم يترجم له أحد شيئاً، فينبري القراء للوم المترجمين والناشرين لأنهم مقصرّون!!

حسناً، يا عزيزي، والله ثم والله ثم والله لو ترجم عشرون ناشراً كل كتب الفائز اليوم قبل أن يفوز لكنت أنت نفسك (أنت صدقني) ستدخل وتقول جملة من الجمل أعلاه ولن تقرأه. ببساطة: أولاً- لأنه إفريقي. وثانياً- لأن تقييماته على غودريدز منخفضة. وثالثاً- لأنك تفضّل المجرّب ولا تريد المغامرة. (لا أستثني إلا بعض القراء القليلين. هم بالتأكيد لا يتجاوزون 400 قارئ في كل العالم العربي. وأنا مستعد للمراهنة على ذلك).

وأيضاً، حسناً يا عزيزي، والله ثم والله ثم والله سيتهافت الناشرون الآن على ترجمة الكاتب، فإن لم تعجبك كتابته ستقول: (ما بيعرف يكتب. ممل. قرأت وقرأت ولم أجد الحكاية ولا الحبكة). من دون أن يخطر لك أن هناك شكلاً جديداً ومختلفاً للكتابة اليوم في العالم. وأنت المقصر في متابعته. وأنت من تحصر الكتابة بأسماء بعينها (لا يتجاوز عددها 100 كاتب)، وتعتبر أن هذه هي الكتابة الحقة، وكل ما عداها سيئ.

(أليس هذا ما حصل أصلاً مع هاندكه وهيرتا مولر وأولغا توكارتشوك. وغيرهم ممن فازوا بنوبل... أم أني مخطئ؟؟)

أخيراً، والله ما عندي مشكلة بهاروكي موراكامي ولا بميلان كونديرا ولا بفيرانته ولا بأليف شافاك ولا بكارلوس ثافون ولا بدوستويفسكي... بس والله عندي كتير مشكلة كبيرة أنك تعتبر أنو هاد هو الأدب وبس. وما تقرأ غيره ولا تجرب غيره. وأكيد عندي مشكلة أنو لما يفوز حدا غير مترجم تلوم المترجم والناشر بدلاً من أن تلوم نفسك.

ترجمة كتاب ونشره يحتاج منك أكثر من مجرد الأمنيات. وأكثر من مجرد اللوم والعتاب حين يفوز كاتب لم يترجم من قبل بأهم جائزة أدبية.

................

وكتب شريف بكر .. مدير دار العربي (المهتمة أيضًا بنشر الأدب المترجم) في أخبار الأدب يتساءل: هل العنصرية هي السبب وراء عدم وجود ترجمات عربية لعبد الرزاق قرنح؟

أتذكر جيدًا أحد سفرائنا في وسط أفريقيا وهو يتحدث عن نظرة الدول الأفريقية السمراء لمصر باعتبارها ليست أفريقية، على الرغم من اعتزازنا بأفريقيتنا وأننا نقع في قارتين وأن لنا أكثر من توجه عربي أفريقي إسلامي، ولكن يُنظر إلينا على أننا لسنا أفريقين حقًا.

وعلى الرغم من انزعاجنا من هذه النقطة، فما هي النظرة التي نرى نحن بها أفريقيا وما انعكاسها على الأدب المترجم؟

والأهم في عرضي هذا ما هي النظرة التجارية التي نرى بها الوضع من ناحية الترجمة؟

نحن كدار نشر، فإن جزء من هدفنا ورسالتنا هو أن ننشر من كل دول العالم أفضل ما فيها.

ففي مكتبي خريطة كبيرة للعالم، كلما "غزونا" دولة نضع نقطه عليها، ونطمع في أن يكون لدينا كتاب واحد على الأقل من كل دولة في العالم. اقترب الرقم الآن من ستين دولة وحوالي 250 كتاب مترجم، منهم من أفريقيا؛ أنجولا، والكونغو، وكوت دي فوار، ونيجيريا، ومالي، وزيمبابوي، وكينيا، وجنوب أفريقيا.

لكن، التساؤل الذي طُرح فور فوز عبد الرزاق قرنح وخصوصًا أننا لا نعرف عنه أي شيء، وعدم وحود أي ترجمة عربية لأي من كتبه، هو لماذا؟

أنا سأطرح الإجابة من وجهة نظري كناشر مستقل. يُنظر إلى الأدب الأفريقي بالكثير من الاستعلاء من قِبل القراء العرب؛ فنحن نسمع الكثير من التعليقات العنصرية من القراء عند عرض الكتب الأفريقية عليهم. كما نضطر في بعض الأحيان إلى أن نوضح أن الكتاب يُعتبر مثلًا فرنسي، لأنه يكتب بالفرنسية، وعلى الرغم من أن الكاتب عادة ما يكتب عن وطنه الأم أو عن حالة مواطني وطنه في فرنسا، فإننا مع ذلك نلجأ لإقناع القارئ بشراء الكتاب.

وأحد الأسباب التي يطرحها القراء لعدم اهتمامهم بالأدب الأفريقي هي النظرة الدونية لنا ولأفريقيا بشكل عام فالتطلع دائمًا لما وراء البحر لأوروبا أو أمريكا حيث يكون الحلم. لذلك يلجأ القراء بشكل كبير لأدب أمريكا اللاتينية فهي تمثل الغرائبية والسحر وحتى لو قرأوا من أدب آسيا (رغم تنوعه) فهو من قبيل أن هذه الدول وصلت إلى حالة أفضل منا بكثير وأنهم يريدون أن يعرفوا عنها أكثر.

لذلك من الصعب على ناشر مستقل أن يبدأ هو بتبني مثل تلك الكتب لصعوبة تسويقها ولصعوبة وجود ترجمة من اللغة الأصلية لتلك الدول سواء السواحيلية (والتي يوجد حاليًا مترجم واحد فقط وقمنا بترجمة عمل معه) والأفريكان أو الهوسا.

لفترة تصدرت سلسلة الجوائز نشر تلك الكتب، وأصدرت العديد من الأعمال لكتّاب من دول أفريقية، وهو كما نقول دائمًا دور الدولة في التصدي لتلك الأعمال التي يعزف عنها الناشر المستقل، بل ودعا معرض الكتاب أكثر من مرة كتاب من أفريقيا لكن أيضًا كان حضور الندوات ضعيف جدًا وهو ما يعكس اهتمامات القارئ وبالتالي لا يدعم مثل تلك الكتب.

الكثير من الكتّاب الذين تصدرنا ترجمة أعمالهم يحملون جنسية مزدوجة، فالكاتب أصله من مالي ولكن يكتب ويعيش في فرنسا مثلًا. ومع الاهتمام الأوروبي بالتركيز على تلك الكتب وهو ما ظهر في القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز وأشهرها الجونكور الفرنسية، احتلها أصحاب البشرة السمراء بكتبهم التي إما تتحدث عن قصص من الوطن أو كيف وصلوا إلى أوروبا أو وضعهم الحالي في أوروبا.

وهذا ينطبق على المستعمرات الأفريقية؛ فالبرتغال مثلا تهتم بشكل كبير بكتابها من أنجولا أو موزمبيق، ولكن من يكتبون باللغة البرتغالية بل ويدعموهم.

وهو ما ينقلنا إلى نقطة آخرى مهمة؛ فكل دول العالم تدعم الترجمة عن لغتها وأدبها وهناك برامج متخصصة في ذلك تسعى لترويج ونشر القوى الناعمة عن طريق الترجمة. ولكن تقريبًا لا يوجد برنامج دعم واحد في قارة أفريقيا لمثل هذا النشاط بما في ذلك في مصر أو من اللغة العربية.

فعبد الرزاق قرنح، رغم أن اصوله من تنزانيا، ولكنه لم يكتب بالسواحيلي أو تترجم أعماله إلى لغة بلده، بل هو يعيش في إنجلترا ويكتب بالإنجليزية رغم أن كتبه تتناول الهجرة والمهاجرين. وهو ما يشبه الكثير من الكتاب العرب من شمال أفريقيا الذين يكتبون بالفرنسية عن العرب وعن مشاكلهم ولا تترجم أعمالهم إلا لو حصلت على جائزة في فرنسا أو تم دعمها من المعهد الفرنسية أو المركز القومي للكتاب.

ومن المعروف أن لجنة نوبل تنظر إلى الأعمال المترجمة للغات الشهيرة فقط (وهو ما يشوبه عدم الحياد أو العدل) ولا توجد فرصة للأعمال المكتوبة بلغاتها الأصلية. ومن بين الكتاب الأفارقة الحاصلون على نوبل في الآداب فقط نجيب محفوظ الذي يكتب بلغت بلده الأصلية والباقي يكتب بلغة آخرى. فوولي سوينكا نيجيري يكتب بالإنجليزية، نادين جورديمير جنوب إفريقية تكتب بالإنجليزية، جي إم كوتزي جنوب إفريقي أسترالي، دوريس ليسينج الإنجليزية والتي تتميز كل كتابتها عن موزمبيق وفترة حياتها هناك. فالكل متصل عن طريق اللغة وحتى بدون ترجمة.

ومن الملاحظ أيضًا رغم كل هذا ورغم وصول عبد الرازق قرنح إلى أكثر من قائمة طويلة وقصيرة في جوائز مختلفة إلا أن لم يترجم له الكثير من الكتب إلى لغات مختلفة. 3 باللغة الفرنسية، و2 باللغة الإسبانية و5 باللغة الألمانية.

وأنا كناشر أتخيل حجم الايميلات المرسلة للوكيل الأدبي الخاص بالكاتب بعد دقائق من إعلان الجائزة، بل أن موقع دار النشر توقف عن العمل لبضع دقائق فور إعلان الجائزة وهو ما يشير إلى كمية الناشرين المهنيين المهتمين باقتناص أعماله وترجمتها إلى لغتهم. بل تلقيت طلبًا من ناشرة فرنسية تطلب أيميل الوكيل الأدبي. فأحب أن أطمئن القارئ الشغوف العربي أن قريبًا جدًا سيقرأ أعمال عبد الرازق قرنح بالعربية وهذا جزء من سحر الجوائز.

......

من جهة أخرى تساءل الروائي المصري شادي بطرس:

كل سنة، ومع الاعلان عن نوبل، يواجهني نفس السؤال كيف تحولت جايزة تمنحها لجنة من خمس ست كتاب شبه مجهولين، في دولة صغيرة نسبيا، هي السويد، ومساهمتها في الثقافة حتي الغربية متواضعة إن لم تكن هامشية تماما، إلي أهم اعتراف ادبي في التاريخ ؟كيف تتحول جايزة زي دي، (لا يوجد أي مبررات موضوعية للاعتداد بيها باستثناء المبلغ الكبير اللي بتمنحه أو بالاولى اللي كان كبير)، إلي أهم حدث أدبي سنوي، ومعيار العالمية والقيمة التاريخية؟ كيف إني قرار تتخذه لجنة من خمس ست كتاب سويدين (شقر على الاغلب ومتوسطي المستوى ومحافظين في أفضل الاحوال) في قاعة شبه مظلمة في جامعة سويدية ما، بمنح الجايزة السنة دي لكاتب أفريقي، فيصبح هذا القرار العشوائي تماما على الاغلب، إلى مصدر فخر قارة أفريقيا كلها، منين يعني جه هذا الاستحقاق وسلطة الاعتراف؟ بامارة إيه؟ ويعني منين جات البجاحة بالخمسة الستة السويدين دول انهم يدعوا بجد أنهم قادرين على تحديد الأديب الأفضل لهذا العام في كل حتة في العالم بكل لغاته وثقافاته؟ طبعا دي اسئلة لا تتعلق باختيارات الجايزة، لكن بمنطقها اصلا ومنطق صناعة وترويج القيمة في الحقول الثقافية بشكل عالمي، وخلق السلطة دي ومركزتها واحتكارها وترويجها وباي أدوات وآليات .

وفي مقالٍ له على المدن عن نفس الموضوع يقول:

بعد ثلاثة عقود ونيف، تعود نوبل إلي أفريقيا وإلى ما بعد الكولونيالية. ففي سياق سعى الجائزة إلى ترميم سمعتها بعد سلسلة من الفضائح، مالت الأكاديمية في الدورتين الأخيرتين إلى خيارات آمنة، و"صائبة سياسياً". بحسب تلك المعايير، يبدو عبد الرزاق قرنح مرشحاً مثالياً، مُسلم وأفريقي لاجئ ومهاجر وكاتب كوزموبوليتاني وأكاديمي ما بعد كولونيالي، وبالإضافة إلى ذلك غير معروف، مما يسمح للجائزة باستعراض أثرها المعجزي، أي تحويل كاتب شبه مجهول إلى واحد من الأكثر مبيعاً، بعقود ترجمات إلى عشرات اللغات.

لكن، وأياً كان خيار الجائزة، فلن يعدم الوسيلة الراغبون في انتقاده. فهل قرنح، ذو الأصول العربية، أسود بشكل كافٍ؟ ولماذا، حين تذهب الجائرة أخيراً إلى أديب أفريقي، يكون مقيماً في بريطانيا وينشر فيها، ويكتب بالإنكليزية، وينتمي إلى طائفة الروائيين-الأكاديميين من أصول عالم ثالثية، في جامعات المراكز الكولونالية القديمة/الجديدة؟ هل كان ذلك التكريم مجرد تأكيد آخر على آليات عمل السوق الرمزي المعولم، والهيمنة الغربية على تنظيمه وهيراركيته، أم إنها محاولة إعادة توزيع أكثر عدلاً لرأسماله المعنوي؟

تظل تلك النوعية من الأسئلة والانتقادات، مثلها مثل الفضائح السابقة، أحد الأركان الأساسية في العمليات التي تعيد بها نوبل إنتاج مصداقيتها. فهي تتضمن افتراضات مسبقة عن المعايير الواجبة للاختيار الصحيح، أي أن كل نقد لخيارات الجائزة يحمل إيماناً بمنطق الجائزة بالعموم، وبحقها، بل وحتى واجبها تجاه تعيين حدود الأبيض والأسود، العالمي والمحلي، ورسم خريطة لجغرافيا السوق الرمزي وتحديد تراتبية القيمة في حقول الثقافة المعولمة.

....................

كما كتب علي حسين وجهة نظرٍ أخرى:

مرة اخرى تفاجئنا جائزة نوبل للاداب ، وتسخر من توقعات القراء العرب الذين لا يزالون يصرون على انها ستذهب الى روائي نعرفه وقرأنا بعضا من رواياته . كانت التوقعات تشير الى فوز الروائية الكندية الشهيرة مارغريت آتوود او مواطنتها الشاعرة " آن كارسون " وكنت قد اطلعت يوم امس على قائمة المراهنات على الجائزة ، فكان اسم الفرنسية آني أرنو في المراكز المتقدمة وقد ترجمت العديد من رواياتها الى العربية .. وايضا احتل سلمان رشدي موقعا ، وان كان متاخرا في قائمة الترشيحات ، وظلت الانظار تتجه الى افريقيا حيث ظهر في واجهة الترشيحات ابرز ثلاثة كتاب اولهم الكيني نغوجي واثيونغو ، ومن بعده الصومالي نور الدين فارح والنيجيري بن أوكري ، والكتاب الثلاثة يعرفهم القارئ العربي من خلال ترجمة العديد من رواياتهم ، ومثلما خاب املنا نحن العرب في حصول روائي او شاعر عربي على الجائزة ، خاب أمل القارئ الياباني الذي يتابع صراع كاتبه المفضل هوراكي موراكامي مع الجائزة ، ، لكن الذين تطلعوا الى السيد أندرس أولسون رئيس لجنة نوبل وهو يعلن فوز الكاتب التانزاني " عبد الرزاق جرنه " -او عبد الرزاق قرنح كما يسميه البعض - ، اصيبوا بالصدمة ، فهم لم يتوقعوا أن يفوز هذا الروائي الذي رشح للبوكر عن روايته " الجنة "عام 2008 لكنه لم يحصد سوى القائمة القصيرة ، والمثير ان عبد الرزاق جرنة كان ايضا متفاجئا وهو يستمع الى صوت سكرتير اللجنة ماتس مالم عبر الهاتف يخبره بالفوز، كان في المطبخ يستعد لتناول وجبة الغداء ، اعتبر ان الامر مجرد مزحة ، فهو مثل الكثير من الادباء لم يفكر على الاطلاق أن الجائزة ستحط عند عتبة بيته، فهذا امر فوق الخيال كما قال بعد سماعه الخبر. وقبل هذا الوقت كان قد وضع قائمة خاصة به باسماء المرشحين للجائزة ، ولم يكن اسمه ضمن هذه الاسماء . في المطبخ سيشاهد رئيس لجنة نوبل أندرس أولسون، يصف رواياته بانها " تفتح أنظارنا على شرق إفريقيا المتنوع ثقافيا والغير مألوف للكثيرين في أجزاء أخرى من العالم".، واضاف وهو يصرح للصحفيين ان " تفاني عبد الرزاق جرنة من أجل الحقيقة، وكرهه للتبسيط، مذهلان". وعندما تنظر اليه زوجته بدهشة ، كان رئيس اللجنة يواصل الحديث قائلاً :" في عالم جرنة الأدبي ، كل شيء يتغير ، الذكريات والأسماء والهويات.. ربما يكون هذا لأن مشروعه لا يمكن أن يكتمل بأي معنى نهائي..هناك استكشاف لا ينتهي مدفوعا بشغف فكري موجود في جميع كتبه، وبارز بنفس القدر الآن كما هو الحال عندما بدأ الكتابة كلاجئ يبلغ من العمر 21 عاما.". قال جرنة بعد ان تيقن ان الجائزة من نصيبه إن منحه جائزة نالها عدد كبير من الكتاب العظام شرف كبير:" إنه شيء عظيم، إنها جائزة كبيرة حقا وقائمة ضخمة من الكتاب الرائعين، ما زلت أستوعب الأمر. كان اشبه بالحلم حتى أنه كان علي انتظار سماع الإعلان في التلفزيون قبل أن أتمكن من تصديقه".

وكيلته الادبية " الكسندرا برينجل " صرحت للصحافة بعد اعلان الفوز ان جرنة لا يقل اهمية عن تشينوا أتشيبي صاحب الرواية الشهيرة " الاشياء تتداعى " ، قال لزوجتة وهو يقرأ تصريحات برينجل:" يا الهي من كان يتوقع ان اسمي سيوضع الى جانب اسم أب الادب الافريقي، اعتقد انها مبالغة ان اوصف بانني قريب من الساحر أتشيبي " .

الروائي الذي اصدر عشرة روايات والعديد من القصص القصيرة ودراسات عن ادب ما بعد الاستعمار ، دخل قبل اسابيع عامه الـ " 73 " ولد في تموز عام 1948 في زنجبار عندما كانت زنجبار تحت حكم السلطان العماني، من عائلة اصولها من اليمن ، عاش لحظة الاضطهاد التي تعرضت لها عائلته لانها من اصول عربية بعد ان حصلت زنجبار على استقلالها من سلطنة عمان عام 1963، اضطر إلى الفرار من زنجبار عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، حيث ذهب للدراسة في بريطانيا عام 1968، ثم عمل محاضراً ما بين عامي 1980-1982 في احدى جامعات نيجيريا، بعدهاانتقل إلى جامعة كينت، حصل على درجة الدكتوراه عام 1982 ، عمل استاذا للادب الانكليزي والقى دروس في قضايا ما بعد الاستعمار، والخطاب المرتبط بالاستعمار، خاصة ما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند. لم يتمكن من العودة إلى زنجبار إلا في العام 1984، مما سمح له برؤية والده قبل وقت قصير من وفاته.. تقاعد قبل اكثر من عامين

في مقابلة معه قال : "حين جئت إلى إنكلترا لم تكن كلمة "طالب لجوء" تعني ما تعنيه اليوم، مع معاناة ناس تعرضوا لحروب إرهابية". وأضاف: "أصبح العالم أكثر عنفاً بكثير مما كان عليه في الستينيات ، لذلك هناك ضغط أكبر الآن على البلدان الآمنة ، فهي تجتذب المزيد من الناس حتماً".

وحين سئل عن تصنيفه كأديب "ما بعد الكولونيالي"، قال: "أفضل ألا ترتبط بي أي عبارة من هذه العبارات، لا أصنف نفسي ككاتب ضمن أي تصنيفات. في الواقع، لست متأكدا إن كنت أطلق على نفسي شيئاً غير اسمي".

العام الماضي كتب صحيفة الغارديان ان عبد الرزاق جرنة وهو يكتب رواياته يطلب منا أن نفكر في "ما الذي يمكن إنقاذه عندما تكون إحدى عواقب الاستعمار هي الإقصاء المتعمد لوجهة النظر الأفريقية ، ومحوها من ارشيف البشرية ".

في السنوات الاخيرة الماضية لم تَسلم جائزة نوبل للاداب من انتقادات حيث منحت الى كتاب تبنوا مواقف سياسية عنصرية مثل بيتر هاندكه ، ويبدو انها ارادت أن تغير نظرة الجمهور لها فمنحتها الى جرنة الذي عُرف بانحيازه الى القضايا العادلة للشعوب ودفاعه عن حق المواطن الفلسطيني في العيش على ارضه ، وكان قد شارك في بيان صدر مع عدد من الكتاب للتضامن مع الروائية الباكستانية كاملة شامسي التي سُحبت منها جائزة ألمانية بسبب مقاطعتها لاسرائيل ، كما شارك في "احتفالية فلسطين للأدب" صيف عام 2009 وزار مجموعة من المدن الفلسطينية المحتلة وقرأ بعض من كتاباته في "جامعة الخليل" .

يقول ان الكتابة تاتي بالدرجة الاولى من القراءة :" مـن السـياق الذي يهيئه الكاتب للقارئ - حوار اجراه معه سعيد فرحان ونشر في جريدة المدى عام 2008 وهو الحوار الوحيد المنشور له في العربية - ويضيف حين يُسأل عن مصادره الأدبية ، بانه يمتلك رقعـة واسعة من مصادر القراءة ، وان هذه الرقعة واسعة الى درجة لا يستطيع ان يتذكر كل تضاريسها .يؤمن ان الكاتب يكتب ما يشعر بالحاجة اليه مهما كانت الظروف التي تحيط به .

يجيب على سؤال حول تاثره بالثقافة العربية :" لا أعتقـد ان هنالك تأثيراً عربياً في طـريقة كتابتي. فانا لا أتـكلم العربية حاليا رغم انني تـعـلمت قـراءة الـقرآن في طفـولـتي والكـثيـر من القـصص الـتي سمعـتـها طـفـلا والتي تتنـقـل في رواياتي لها اصل عربــي، فارسي وهندي بوجه الأحـتـمــــال. زنجبار كانت ولا تـزال مكانـا لـثقـافـة كـثيـرة الامتـزاج " .

اتخذ من كتابة الرواية هواية وليس مهنة ، فهو يتفرغ لها اثناء العطل الجامعية فقط :" أكـتب الرواية في البيت وبشـكل ما تـبدو لي عملية الكتابـة الروائية في مـكتبي الجامعي غير مناسبة أبدا " .

تطغى موضوعة الوجود الانساني على معظم رواياته ، فابطال هذه الروايات يبحثون دائما عن معنى لوجودهم ، حتى وان كانوا قد انصهروا في مجتمع جديد وثقافة مختلفة .فهو يرى ان من الصعب بل من المستحيل الانصهار كليا في المجتمع الجديد ،مهما كانت ظروف هذا الانسان اللاجيء

يؤمن ان الكتابة هي مصير فردي لا علاقـة له بمـكان محـدد، وان طريق الكاتب الجاد "هو طريق آلام فردي يمـتزج فيه الألم بالقـدرة على التأمل والـتأني واستيعاب دروس الـكـتاب الـكبار" . يرى في نفسه قـارئ جيد ومـتابع مـتـفحص لأدب العالـم الثالث في مـرحلة ما بـعـد الاستعمار ، ولهذا يعتبره البعض ناقدا ممتازا بامكانه ان يرشد القـارئ بدقـة الـى المادة الأساسية في اعمـال الـروائيين الـذين تناولهم في دراسات نقدية، يـكـتب بـأنـكليـزيـة يصفهـا نقـاد الأدب بـأنهـا انكلـيزية رفيعة ناصعة مشبعـة بمفـردات دقـيقة. كتـب المئـــات من المقالات النـقدية والبحـوث حيث كـرس حياته كـليا للأدب ، لا يفارق عبد الرزاق جرنة موطن طفـولته رغم بعده عنها ويرصد في كل رواية مصير الانسان الذي يئن تحـت وطـأة تـأريخ لا يـرحم. يتحـول المنفـى في رواياته الـى عبء جـديـد بعد ان تتـسع المسافــة بينه وبـين موطنه.

....

وبغض النظر عن هذه الآراء كلها واختلافها وتعارضها، ألا يبقى في النهاية من حقنا أن نسأل القارئ أي الروايات المترجمة مؤخرًا أثارت فضوله وجعلته يتعرف على أدبٍ مختلف تمامًا عن النمطي والشائع الذي يقرأه الجميع؟ وهل يتابع مجهودات بعض المترجمين ودور النشر التي تقدم بالفعل أسماء وأعمالا ربما لم يسمع عنها أحد (كونها لم تفز بجائزة نوبل فقط)، بل إن دار العربي أعدت قائمة من ست روايات نشرتها مؤخرًا من الأدب الأفريقي، كما يوجد أسماء مختلفة من أمثال: ماريز كوندي، ميا كوتو، دانيل كيلمن، خوان بابلو بيالوبوس،سامانتا شويبلين، مانويل بيلاس، نور الدين فارح، ورفيق شامي... وغيرهم الكثير.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم