أيّة قوّة سحريّة يملكها الكتاب!
أيّة قوّة سحريّة يملكها الكتاب! كيف تؤثر الكتب على حياتنا وتجعلها أجمل؟ كيف يمكن للكتب أن تملأ عزلتنا وتبدّد وحشتنا؟ ما السرّ وراء قدرتها على إنارة دروبنا وتوجيهنا من طور إلى آخر؟ كيف تستطيع الكتب مخاطبة الخيال مباشرة بالرغم من صمتها؟ ماذا يجعل الكتب قادرة على مقاومة النار وحفظ علم القدماء؟ لماذا تتحول الكتب إلى ملاذ آمن في أوقات الشدّة والقلق، وتكون رفيقاً دائماً وصديقاً يفهمنا دون أن ينطق بكلمة؟ كيف تسهم الكتب في بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات؟
لكلّ منّا حكايات عن الكتب ومعها. فالكتب تؤثّث جماليات عالمنا بطريقتها العجائبيّة.. تقودنا من طور لآخر. تؤنسنا وتثرينا وتجرحنا وتنير دروبنا.
في مسلسل "SEE" على "Apple TV Plus" تقول إحدى الشخصيّات: "الكتب في الصور المقدّسة.. إنّها صامتة، ومع ذلك تخاطب الخيال مباشرة. يمكنك حرقها لكنّها أقوى من النار. علم القدماء كلّه موضوع بها. أسرار عن عصر البصر".
وتقول الروائيّة الفرنسيّة جاكلين راؤول دوفال في نهاية "كافكا الخاطب الأبديّ" عن الكتب: "إنّ الكتب تشبه عجين حجارة سور الصين، إنّها تخترق الفضاء وتسدّ الثغرات، وتقيم تقاطعات وتتحدّى الخيال، وتحمينا من البرابرة".
لربّما تكون الكتب أكثر ما يمكنها تجميل عزلتنا وتبديد وحشتنا وضخّ جرعات من اللذّة والمتعة والحكمة في أوقاتنا وحياتنا. مَن لم يبحر في أعماقها يعاديها، ومَن يغوص في بحورها ويكتشف لآلِئَها المخبوءة يغدو أسيرها الدائم.
الكتب عوالم متكاملة تفتح أمامنا نوافذ على الماضي والحاضر والمستقبل. من خلال قراءة كتاب، نحن لا نقرأ فقط الأحداث والشخصيات، بل نتعاطف مع التجارب ونعيش المشاعر ونستخلص العبر. الكتب تمنحنا الفرصة لنكون أيّ شخص، لنعيش أيّ حياة، ولنختبر عوالم جديدة لا يمكن أن نصل إليها بوسيلة أخرى.
عندما نفتح كتاباً، ترانا ننخرط في حوار صامت مع المؤلف، نلتقي بأفكاره وتصوّراته ونتفاعل معها. هذه التجربة الشخصية المدهشة تجعل من القراءة نشاطاً فريداً من نوعه، يعزّز من قدرتنا على التفكير النقديّ ويطوّر من مهاراتنا التحليلية. في الكتب نجد الأجوبة على الأسئلة التي لطالما حيّرتنا، ونكتشف أيضاً أسئلة لم نفكّر فيها من قبل، تلك التي تفتح أمامنا آفاقاً جديدة للفكر والتأمّل.
بالإضافة إلى دورها في التعليم والتثقيف، تمتلك الكتب قدرة علاجيّة على تهدئة النفس والروح. في أوقات الشدّة والقلق، يمكن للكتب أن تكون ملاذاً آمناً، تأخذنا بعيداً عن واقعنا الضاغط إلى عوالم من السكينة والجمال.
ومن خلال تبادل الكتب ونقلها من جيل إلى جيل، نحافظ على التراث الثقافي والمعرفي، ونساهم في بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات. ومن هنا فإن قوّة الكتاب هي طاقة جوهرية وأساسية لوجودنا الإنسانيّ، لأنّها تظل رمزاً للثبات والاستمرارية، تحفظ لنا تاريخنا، وتوجهنا نحو مستقبل أفضل، ما يدفعنا لاعتبارها دائماً مصدر إلهامنا، ودليلنا في رحلة الحياة المعقّدة والمتشابكة.
في عالم رواية "فهرنهايت 451" للكاتب راي برادبري، تُحاك مؤامرة ضد الكتب، تلك الكائنات الصامتة التي تثير الخيال وتشعل شرارة المعرفة. في هذا العالم القاسي، يتحوّل رجال الإطفاء إلى حارقي كتب، يسعون لإخماد نيران الحكمة التي يمكن أن تهدد جمود النظام القائم. لكن الكتب ترفض أن تخبو، ترفض أن تصمت.
يبدأ غاي مونتاغ، بطل الرواية، رحلة التحوّل من منفذ للأوامر إلى متمرد يبحث عن الحقيقة في صفحات الكتب المحظورة. يكتشف مونتاغ أن الكتب معابر إلى عوالم مدهشة وأفكار حرّة، وهي ملاذ من عزلة الروح وأنيس في أوقات القلق والشدّة. يسعى مونتاغ لحفظ الكتب في ذاكرته، ليمنحها فرصة الحياة مرة أخرى في عالم يسعى لإخماد كلّ ما هو إنساني ومضيء.
في عالم مونتاغ، تُصبح الكتب أشبه بالحجارة التي تشكّل سوراً ضد الجهل، وتحافظ على التراث الإنسانيّ، متحدّية بذلك النار والنسيان. تطرح الرواية سؤالاً مقلقاً: ماذا سيحدث لعالمنا إذا ضاعت الكتب، وانطفأت أنوارها؟ وهل نستطيع أن نعيش دون تلك الصفحات التي تمنحنا العزاء في أحلك لحظاتنا، وتفتح لنا نوافذ نحو التفكير والتأمّل؟
هل يمكننا حقّاً أن نتخيّل عالماً دون كتب؟ كيف ستكون حياتنا بلا تلك الصفحات التي تضج بالحياة والمعرفة؟ هل ستظلّ عقولنا قادرة على التحليق في عوالم الخيال والتأمّل من دونها؟ وهل يمكن أن نجد بديلاً للكتاب كملاذ آمن يحمينا من قسوة الواقع ويضخّ في أرواحنا جرعات من الحكمة والسكينة؟
0 تعليقات