براغ وشيبويا

”استيقظت في شيبويا“ هي الرواية الأولى للكاتبة التشيكية آنا سيما، وهي رواية نابضة بالحياة ورائعة و ”حكاية مدينتين“ تربط بين براغ وطوكيو عبر الزمن. وهي أيضًا تعريف بالأدب الياباني. عندما تم إصدار الرواية المبتكرة متعدد الحبكات قبل ثلاث سنوات في جمهورية التشيك، تهافت عليها القراء الشباب وجعلوها من أكثر الكتب مبيعًا. وعلى إثر ذلك تم طرح الترجمات في الأسواق في ألمانيا والمجر وأسبانيا ودول أوروبية أخرى، قبل أن تظهر النسخة اليابانية في أبريل/ نيسان 2021. وفي الوقت الذي لم تكن فيه الكتابة التشيكية معروفة في اليابان، تم إصدار الطبعة الثانية لروايتها بعد بضعة أشهر فقط.

بطلة الرواية هي جانا كوبكوفا، طالبة الأدب الياباني في جامعة تشارلز في براغ في عام 2017، ونسخة أخرى منها، والتي انفصلت عن الأولى عندما زارت جانا اليابان لأول مرة قبل سبع سنوات في سن السابعة عشرة. وكانت أُمنية الأنا الأخرى ”بالرغبة في البقاء في اليابان إلى الأبد“ قوية للغاية لدرجة جعلتها تتجول في شوارع حي شيبويا الشهير كنوع من الأشباح، غير مرئية للآخرين وغير قادرة على المغادرة. تُفتتن شخصية جانا المقيمة في براغ بالمؤلف الغامض (كاواشيتا كيومورا) وبحفنة من أعماله في فترة ما قبل الحرب، وتبدأ في البحث عن هويته. ومن ناحية أخرى، تُقدم جانا الثانية مدفوعة بالفضول هي الأخرى على النظر في ماضي كاواشيتا، لأنها قد تجد مفتاح هروبها من شيبويا.

يتم سرد شخصية كاواشيتا الخيالية وهي تتفاعل مع مؤلفين يابانيين عظماء مثل أكوتاغاوا ريونوسوكي، وكاواباتا ياسوناري، وكيكوتشي كان، ويوكوميتسو ريتشي. ويمكن للقارئ قراءة رواية كاواشيتا المتضمنة في رواية آنا، والتي ترجمتها شخصية جانا بشكل متداخل في أحداث القصة الرئيسية. وقد تمت الإشارة أيضًا إلى العديد من الكتاب اليابانيين الآخرين، أمثال: ميشيما يوكيو، ماتسوموتو سيتشو، شيمادا سيجو، تاكاهاشي غينئتشيرو و موراكامي هاروكي.

شغف مبكر بالمخرج كوروساوا

على الرغم من الحبكة المعقدة للرواية، فإن الانطباع العام عنها هو السلاسة وسرعة الإيقاع. حيث يتم تصوير الحياة الطلابية في براغ بشكل واضح، بما في ذلك الشباب الذين ينجذبون إلى الثقافة الشعبية اليابانية كالأنمي والكوسبلاي. وجانا المحبة للفنان ميفونى توشيرو شخصية جذابة، وأصدقاؤها بالفعل متفردون. وعلى الرغم من كونها خيالية، إلا أن جانا تعكس بشكل ملحوظ تجارب سيما وحبها لليابان.

ولدت سيما وترعرعت في براغ. متأثرة بوالدها كاتب السيناريو، وتقول إنها أرادت أن تصبح كاتبة منذ أن كانت طفلة. ”لقد أسرتني كتب الأطفال التشيكية. واستمتعت على وجه الخصوص بقصص المغامرات، وأردت أن أكتب قصتي المثيرة ذات يوم“.

وقد أصبحت مهتمة باليابان لأول مرة من خلال مشاهدة أفلام المخرج كوروساوا أكيرا. وتقول: ”لقد أحببت بوكيمون عندما كنت في الرابعة أو الخامسة من عمري، لكنني لم أدرك حينها أنه كان عرضًا يابانيًا. وفي سن العاشرة أو نحو ذلك، شاهدت أحد أقراص الـ دي في دي يحتوي على أفلام لكوروساوا والذي كان قد اشتراه والدي، وعلمت أن هناك دولة تسمى اليابان. وأول فيلم شاهدته كان الساموراي السبعة، واندهشت من هذا العالم الاستثنائي الذي لم أراه من قبل. وفيلمي المفضل كان (درانكين إنجل) (الملاك الثمل).

وتسرد قائلة: ”عندما كنت طفلة، كانت أعداد الناس المستخدمين للإنترنت في تزايد، وفي الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، كنت مهووسة بمشاهدة الرسوم المتحركة اليابانية مثل ناروتو و إينوياشا على اليوتيوب. وكانت مترجمة على الشاشة باللغة الإنجليزية، لذلك عندما كنت أبحث عن الكلمات أثناء قراءتها بنهم، كان الأمر مفيدًا لدراستي للّغة الإنكليزية. حينها لم أكن أفهم اللغة اليابانية على الإطلاق، لكن وقع صوتها علي أثار فضولي، وبدأت أشعر بالرغبة في تعلم اللغة“

وأفلام كوروساوا اليابانية مختلفة تمامًا عن تلك المصورة في الرسوم المتحركة. وتتذكر سيما قائلة: ”هناك العديد من الأوجه المختلفة لليابان، وكلها رائعة“. ولقد قرأت آنا مجموعة قصص قصيرة من تأليف الكاتب أكوتاغاوا والتي كان قد أوصى بها والدها، وبدأت في شق طريقها عبر الأدب الياباني المترجم إلى التشيكية. وكان أول كتاب اشترته بمصروفها الخاص هو كتاب موراكامي هاروكي (Afutā dāku) (بعد حلول الظلام)، وقد سحرتها صورة سماء طوكيو الليلية التي ظهرت على غلاف طبعة اللغة التشيكية لعام 2007.

أريد العودة إلى اليابان

في صيف عام 2009، قامت سيما بأول رحلة لها إلى اليابان، حيث سافرت مع صديقة لها من نفس مدرسة اللغات التي التحقت بها لتعلم اللغة اليابانية ومكثت في طوكيو لمدة شهر.

وتتذكر قائلة ” قضينا كل الأيام في شوارع شيبويا. لقد كان أمرًا رائع مدى اختلافها عن براغ“. مكثوا في المدينة من يونيو/ حزيران حتى يوليو/ تموز، وأمضوا أيامًا كاملة جالسين على المقاعد المتواجدة في الشوارع، والناس ينظرون إليهم، وفي بعض الأحيان يتبادلوا أطراف الحديث معهم. ”كل شيء كان جديدًا، وفكرت حقًا في مدى رغبتي في العودة إلي اليابان مرة أخرى. فكنت لا أريد العودة إلى موطني“.

ومع ملازمة هذا الشعور لها، دخلت قسم الدراسات اليابانية في جامعة تشارلز التاريخية في براغ، وتمكنت بعد منافسة شرسة من الدخول في برنامج لم يقبل سوى حوالي 20 طالبًا من بين 250 متقدمًا. وللحصول على درجة الماجستير، تخصصت في الأدب الياباني. وكانت رسالتها حول المقارنة بين الرواية البوليسية لماتسوموتو سيتشو من المدرسة الاجتماعية الواقعية وشيمادا سوجي من المدرسة الأرثوذكسية الجديدة.

وتقول ”بدأت في كتابة الرواية في السنة الأولى تقريبًا من دراسة الماجستير. وفي البداية، فكرت في كتابتها على شكل يوميات، من خلال سرد الوقائع المميزة خلال فترة وجودي بالجامعة“. وبعد بعض التجارب والأخطاء، وفي الوقت الذي ظلت فيه الحياة الجامعية جزءًا من القصة، قررت أن فكرة الرواية ستكون عن مؤلف خيالي.

”لقد تخصصت في روايات فترات ما بعد الحرب، لكنني رأيت أنه بغُية التعريف باليابان في الفترات الأقدم، سأختار كُتّابًا من فترات سابقة تُرجمت أعمالهم إلى اللغة التشيكية. حينها، كان هناك الكثير من الأعمال من العصر الحديث في مكتبة الجامعة. وبينما كنت أكتب قصة تتمحور حول مؤلف خيالي، قررت تضمين بعض أعماله“.

في النسخة اليابانية من رواية آنا (استيقظت في شيبويا، ترجمة آبى كينئتشيرو و سودو تيروهيكو)، هناك تباين واضح بين التصرفات الشبابية لشخصية جانا في الوقت الحالي ونثريات كاواشيتا في عشرينيات القرن الماضي.

وتقول: ”لم أفكر حقًا في ترجمة روايتي عندما كنت أكتبها. على الرغم من أنني تساءلت بتعجب عن كيفية ترجمة أعمال كاتبي الخيالي كاواشيتا إلى اليابانية. وأعتقد أنه يوجد في اليابان فرق كبير بين الكتابة في فترة ما قبل الحرب والكتابة في الوقت الحالي. لقد تأثرت حقًا بمدى حرفية المترجمين. وبالنسبة إلي، حاولت إبراز التناقض مع لغة جانا الشابة من خلال جعل جمل كاواشيتا متأنقة قدر الإمكان، مع أخذ نبذات من الترجمات التشيكية لكُتّاب مثل ”كاواباتا ياسوناري“.

روح مرحة

أكملت سيما روايتها قبل أربع سنوات، وذلك بعد انتقالها إلى اليابان لإجراء بحث لرسالة الدكتوراه.

تقول سيما ”لقد كتبت الرواية بحيث جعلت كاواشيتا وُلد في مدينة كاواغويه، لأنني أحب تلك المدينة. حيث عشت في محافظة سايتاما لفترة بعد مجيئي إلى اليابان وزرت كاواغويه عدة مرات. وأعتقد أنه عندما يفكر التشيكيون في اليابان القديمة، فإنهم يتخيلون المعابد والمزارات في مدينتي كيوتو ونارا. وأردت أن أقدم المدينة التجارية من أجل التعريف بصورة مختلفة عن البلاد“.

بمشاعر يغمرها المرح، وضعت سيما كل ما تحبه عن اليابان في الرواية. حيث تصف قائلة ”لقد استمتعت بالأمر حقًا، حيث قدمت بحرية كل آيات العرفان والولاء الفني للأدب الياباني. إنها مسالة مخيفة للغاية عندما أفكر في الأمر الآن. حتى أنني أتساءل عما إذا كنت قد بالغت أم لا. فعندما كنت في الرابعة والعشرين من عمري، لم أتراجع على الإطلاق فيما كنت أشرع في كتابته“.

ربما يكون من الغريب أن رواية تحتوي على الكثير من الإشارات إلى الأدب الياباني قد حققت نجاحًا كبيرًا بين الشباب التشيكيين. وتقول: ”أعتقد أن القصص التاريخية والأعمال المتعلقة بالعلاقات الأسرية تحظى بشعبية في جمهورية التشيك. فلم أكن أتوقع أي شيء على الإطلاق، واعتقدت أن الرواية قد تلقى قبولًا فقط لدى القراء المهتمين باليابان. لكن العديد من الناس قرأوها أكثر مما كنت أعتقد. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كانت هناك تعليقات مثل تعليق من شخص قرأ للكاتب موراكامي هاروكي، وأراد تجربة كُتّاب يابانيين آخرين“.

وتقول إن العديد من القراء اعتقدوا أن كاواشيتا كيومارو شخص حقيقي. ”كان هناك من قالوا إنهم يريدون قراءة المزيد لكواشيتا وسألوا أين يمكنهم العثور على أعمال أخرى له، وأصيب البعض بخيبة أمل عندما اكتشفوا أنه شخصية خيالية. وفي إحدى المقابلات، سُئلت حتى عما إذا كنت أكتب رسالة الدكتوراه الخاصة بي حول كاواشيتا“

ومن المؤكد أن هناك أيضًا قراء يابانيون يجدون أنفسهم يجرون بحثًا على الإنترنت عن كاواشيتا كيومارو، بالنظر إلى مدى تشابك الحقيقة والخيال بمهارة في الرواية.

التنقل بين طوكيو وبراغ

تعيش سيما الآن في حي سوغينامي بطوكيو، تقدم الأبحاث وتُترجم وتعكف على رسالتها. وتقول ”أنا مهتمة بالحركات الطلابية في الستينيات، وأبحث في كيفية تصويرها في الأدب، وكيف تغيرت صورة الطلاب“

ففي الستينيات، كان لدى تشيكوسلوفاكيا الشيوعية حركتها الجماهيرية الخاصة بقيادة المواطنين والطلاب، سعياً لتحقيق الديمقراطية خلال ما كان يُعرف باسم ربيع براغ، ولكن تم قمعها بسرعة. ولقد عاش أجداد سيما خلال هذه الحقبة، وكان والدها منخرطًا بعمق كطالب في الثورة المخملية غير الدموية، التي نجحت في إرساء الديمقراطية في عام 1989. ولعل هذا هو سبب شعورها بالألفة تجاه الأعمال الأدبية اليابانية المتعلقة بالحركات الطلابية والاحتجاجات ضد معاهدة الأمن الأمريكية اليابانية.

وهي تعمل أيضًا في مجال الترجمة. وتقول: ”الكل يعرف الكاتب موراكامي هاروكي في جمهورية التشيك. وأريد أن أساعدهم في التعرف على المؤلفين الآخرين بشكل أفضل. فأنا أحب حقًا (أوي كينسابرو)، لكن لم تتم ترجمة الكثير من أعماله إلى اللغة التشيكية. وهناك ترجمة لأعمال للكاتب ميشيما يوكيو مثل (كينكاكو جي) التي تُرجمت إلى الإنكليزية باسم (The Temple of the Golden Pavilion) (معبد الجناح الذهبي)، ولكن روايته (كامين نو كوكوهاكو) (ترجمت إلى Confessions of a Mask) (اعترافات مقنع) لم تصدر باللغة التشيكية إلا منذ حوالي عامين“

ومنذ أن استقرت سيما في اليابان، قامت بترجمة رواية الخيال والغموض لشيمادا سيجو (سينسيجيتسو ساتسوجين جيكين) (تُرجمت إلى The Tokyo Zodiac Murders) (جرائم الأبراج بطوكيو) ورواية تاكاهاشي غينئتشيرو (سايونارا غانغوتاتشي) (Sayonara, Gangsters) (الوداع، رجال العصابات) مع زوجها إيغور. وهي أعمال مترجمة معروضة بالفعل للبيع في المكتبات التشيكية.

كتابها التالي

قرأت سيما للعديد من المؤلفين الذكور حتى الآن، لذا فهي ترغب في قراءة أعمالًا للنساء اليابانيات أيضًا في المستقبل. وتقول: ”في جمهورية التشيك، هناك اهتمام متزايد بموراتا ساياكا وكواكامي ميكو، ولكن عندما كنت هناك، تُرجمت القليل من أعمال الكُتّاب النساء. ومنذ مجيئي إلى اليابان، قرأت أعمالًا لـ كوراهاشي يوميكو من أجل بحثي، ومؤخراً قرأت عملًا لـ إيمامورا ناتسوكو (هوشي نو كو) (طفل النجوم) وعملًا لـ أكاساكا ماري (طوكيو بريزون) (سجن طوكيو)، وأريد قراءة المزيد من الأعمال النسائية”.

بعد أربع سنوات من العيش في اليابان، هل تحول الهوس بالبلد الذي شعرت به في سن المراهقة إلى خيبة أمل؟

”في رحلتي الأولى إلى اليابان، أدهشني كل شيء ببساطة كسائحة. وبعد أن جئت للدراسة هنا، مررت بالعديد من التجارب المختلفة، سواء كانت جيدة أو سيئة، وهذا هو المكان الذي أقضي فيه حياتي اليومية. فالتجارب اليومية كلها ذات قيمة كبيرة بالنسبة لي. ولا أشعر بخيبة أمل. فأنت بحاجة إلى جميع أنواع الخبرات لاكتساب فهم أعمق للحياة“

وأخيرًا، سألت عن كتابها التالي. وردت قائلة ”في الواقع، لقد انتهيت بالفعل من كتابته. الأمر مختلف تمامًا عن بداياتي، ولكن كما قد تتوقعي، فالأمر مرتبط باليابان“ من المؤكد أن هناك المزيد من المفاجآت في انتظار القراء.

انقر هنا لبعض المقتطفات من الرواية باللغة الإنكليزية.

(النص الأصلي كُتب باللغة اليابانية من إعداد كيمي إيتاكورا من فريق عمل Nippon.com والترجمة من اللغة الإنكليزية. الصور بعدسة أوكوبو كيزو في طوكيو في يوليو/ تموز 2021)


آنا سيما

ولدت في براغ عام 1991. وبعد حصولها على شهادتها في الدراسات اليابانية من جامعة تشارلز، واصلت دراستها في اليابان. وبدأت الكتابة لأول مرة في عام 2018 مع كتاب (Probudím se na Šibuji) (استيقظت في شيبويا)، والتي فازت عنه بجائزة (ماغنسيا ليترا) الأدبية في التشيك في فئة اكتشاف العام، وجائزة (جيري أورتن) الأدبية، وجائزة الكتاب التشيكي. وتعمل أيضًا كمترجمة من اللغة اليابانية.


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم