محمد حجيري 

على غرار الكثير من الشخصيات الأدبية(رامبو، كافكا، بورخيس، ديستويفسكي، ماركيز، الحلاج)، وسينمائية (مارلين مونرو، سعاد حسني، عماد حمدي، أنور وجدي، فيلليني) والاجتماعية (ديانا) والسياسية (صدام حسين، ستالين)، والخيالية (دون كيشوت، فرانكنشتاين، لوليتا) والمكانية (بيروت، باريس، بغداد، نيويورك، اسطنبول)، تحولتْ المطربة المصرية، العربية أم كلثوم تيمة لكتابة الروايات والقصص المتخيلة والواقعية وغير المقدسة..الاسم "الاسطوري" وحده كاف لاثارة الخيال واستنباط التأويلات عن مطربة عاشت عصراً بكامله، شغلت المحبين والمغرومين والسياسيين والباحثين والسينمائيين..


في البدء، كانت أم كلثوم حاضرة في الكثير من القصائد الشعرية، وفي بعض الروايات العربية البارزة... في رواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ، فبطل الرواية رشدي عاكف، عندما يقرر الذهاب إلى السينما، فهو يتجه إلى دار عرض تعرض فيلم "دنانير" الذي قامت ببطولته أم كلثوم، وعرض سنة 1940 عن سيناريو وإخراج: أحمد بدرخان. لا يذهب البطل إلى فيلم من بطولة أم كلثوم فقط. ولكنه يعجب بأغنيتها: طاب النسيم العليل، التي يعجب بها نجيب محفوظ نفسه. وفي رواية "ميرامار"، يتربع صوت أم كلثوم على عرش القلوب ويصل إلى مداه. ويؤكد محفوظ في هذه الرواية أن الناس التفوا حول صوتها الذي أصبح علامة على عصر بأكمله. واحمد عبد الجواد بطل الثلاثية كان يسمع "ثومة"، بمعنى آخر كانت أم كلثوم جزءاً أساسياً من الواقع اليومي المصري، وبالتالي جزءاً من الرواية المصرية...

وفي روايته "مرسال الغرام" يتحدث الروائي السوري فواز حداد في روايته عن مجموعة من الرجال والنساء المفتونين بأم كلثوم والذين يبادرون بعد طول تفكير الى تأسيس رابطة تحمل اسم كوكب وتحرص على تكريمها وإحياء صورتها في نفوس الأعضاء وقلوبهم وأذهانهم. قال حداد في دردشة خاصة: "تشكل ام كلثوم غواية لا يمكن ربما بالنسبة لي تفاديها، لتعدد جوانب حياتها، صعودها من فلاحة فقيرة إلى مطربة العالم العربي، ادوارها في الحياة، غرامياتها والناس الذين أعجبوا بها من العهد الملكي إلى الجمهوري، قدرتها على التربع على قمة والمحافظة عليها، مع قدرة على النفاذ إلى الشعر والموسيقى وعالم السينما والمال والسياسة. لم أطيل عليك. ارى من الضرورة العودة إلى الرواية، وهي متوفرة في طبعة ثانية. ولن تتخيل الجهد الذي بذلته الا عندما تقرأها، وهو جهد على عدة مستويات، مع ان أم كلثوم كانت أحد الخطوط في رواية تعرضت فيها للفساد السوري في مرحلة مبكرة فالرواية نشرت عام 2004".

ولم يعد الأمر يقتصر على حالة أم كلثوم في الروايات، بل اقترب من الحديث عن شخصها وأسرارها وغرامها وجسدها وعلاقتها السياسية وحتى شائعة مثليتها. دوّن سليم نصيب كتابه "أُم"(*)؛ قصة حب عذري (مازوشي) بين الشاعر أحمد رامي وأم كلثوم. "صدرت هذه الرواية بالفرنسية تحت عنوان غاية في الاختصار "أُم"، ثم ترجمت إلى الإنكليزية والإيطالية بعنوان "أحببتك لأجل صوتك". والرواية شغلت الكثير من النقاد، وكتبها نصيب من منطلق أنه لتفهم العالم العربي أو المجتمع العربي، عليك أن تفهم أم كلثوم. ومن السذاجات النقدية ان كاتباً يعتبر ان سليم نصيب استند الى مصادر هي في الواقع صدرت بعد صدور روايته....

وأصدر الكاتب علي عطا رواية بعنوان "زيارة أخيرة لأم كلثوم"(**). لوهلة يحسب القارئ ان الرواية عن أم كلثوم، لكن الروائي يشير إلى أن "أم كلثوم" في العنوان ليست سيدة الغناء العربي وإنما خالة بطل العمل التي اتكأ على خبر وفاتها ليستدعى علاقته بها منذ طفولته حتى وفاته. العنوان مجرد مراوغة، وبطل الرواية (حسين عبدالمجيد)، مريض؛ يعاني من اكتئاب مزمن، سبق له أن دخل المصّحة النفسيّة ثلاث مرّات. وباعتراف الكاتب ان العنوان جاء بطلب من الدار، لدوافع تسويقية...

في روايته "حانة الست: أم كلثوم تروي قصّتها المحجوبة"(***)، للروائي المصري محمد بركة، وطبقاً لما يفصح عنه عنوانها الفرعي، تتناول سيرة "كوكب الشرق"، من خلال قراءة فصولها يتبين انها استثمار في سيرة ام كلثوم، منذ الولادة والطفولة، الفقر والعوز، وإلى مرحلة الشهرة والغنى وصولاً إلى مرحلة النهاية... لعل امتياز "حانة الست" أنها ليست حكاية عنها، بل حكايتها المباشرة على لسانها، كما يتضح من الاستهلال: "لي عنق غليظ، أكثر غلظة مما تظنون. سمرة بشرتي تفاجئ كثيرين من جمهوري حين يطالعون صوري القديمة بعد معالجتها بالألوان. صوتي يقع في المنطقة الوسطى بين الذكورة والأنوثة. هل هذا هو السبب في فرادته الاستثنائية كنسخة وحيدة اكتفى بها الله فلم يكررها حين رآها شيئاً حسناً؟ كفي رجولية ضخمة وأصابعي لم توهب طراوة بناتكم الحسان". رواية مكتوبة بلغة مثيرة و"جريئة"، لكن ما تتضمنه، هو شيء من كتابة المكتوب وقول المقال، محاولة لنزع "القداسة" عن مطربة الامة، واعتمدت الرواية على العديد من المصادر التاريخية ما بين كتب ومقالات ومذكرات، والرواية تحمل تنويها مهما في نهايتها يقول "الوقائع الواردة في هذا العمل حول حياة السيدة أم كلثوم نسجها خيال المؤلف اعتمادا على العديد من الحقائق المغيبة والمعلومات المنسية". وهي بحسب النقاد تأتي استجابة للمزاج العام؛ حيث "تلعب النوستالجيا دوراً كبيراً في حفز الناس على المشاركة والشراء".

باختصار أحسب أن شخصية أم كلثوم تشكل مادة دسمة لكتابة الرواية، والكتابة عنها لا تزال في البداية...


(*) ترجمه الشاعر الراحل بسام حجار إلى العربية بعنوان "كان صرحاً من خيال" (العين/ دار شرق غرب).

(**) صدرت عن الدار المصرية اللبنانية - القاهرة

(***)صدرت من دار "المثقّف" المصريّة في 294 صفحة من القطع المتوسّط.

عن جريدة المدن الإلكترونية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم