لا تكاد تخلو أية دورة من دورات الجائزة العالمية للرواية العربية (أي باف)، التي باتت تعرف شعبيّا بـ"البوكر العربية" من سجالات عن الأعمال المختارة ضمن القائمة الطويلة، وبعدها القائمة القصيرة، وعن تلك التي استبعدت أو لم تحظَ بفرصة الاختيار ضمن أية قائمة، بحيث أصبح حديث البوكر حديثا سنويّا موسميّا يتجدّد مع إعلان كلّ قائمة، ولا ينتهي مع إعلان اسم الفائز بها، بل قد يثار الحديث في كلّ دورة عن دورات سابقة، وما صاحبها من نقاشات وصلت في بعض الأحيان إلى مستويات حادّة من الانتقاد أو التمجيد.

الجائزة التي "تهدف إلى مكافأة التميّز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب عالميا من خلال ترجمة الروايات الفائزة والتي وصلت إلى القائمة القصيرة إلى لغات رئيسة أخرى ونشرها"، احتفظت عبر السنوات الخمس عشرة الماضية من عمرها ببريقها وتمكّنت من الاحتفاظ بمكانتها كأهمّ جائزة عربيّة في مجال الرواية.

خلال هذه السنوات أصبح للجائزة تقاليدها، أو ربّما ميزتها المتمثّلة بقدرتها على تحريك المياه في عالم الرواية العربية، وخلق سوق عربية للرواية من خلال تصدير عشرات الروايات لمختلف دور النشر من المشرق العربي إلى مغربه، ما يفترض أن ينعكس على حركة الإبداع الروائي بشكل إيجابي عبر التراكم، والقدرة على الغربلة والبحث عن الجديد والمبتكر في ميدان الرواية.

في يناير/كانون الثاني 2023 أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية عناوين الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها للعام 2023، وتضمنت 16 رواية، لكتّاب من تسع دول عربية هي الجزائر، مصر، الأردن، سوريا، المغرب، ليبيا، العراق، السعودية، عُمان، من أجيال مختلفة، تراوحت أعمارهم بين 40 و77 عاما.

في ما يأتي عناوين روايات القائمة الطويلة: "منا" للجزائري الصديق حاج أحمد عن "دار الدواية للنشر والتوزيع". "صندوق الرمل" للكاتبة الليبية عائشة إبراهيم عن "منشورات المتوسط". "الكل يقول أحبك" لمي التلمساني من مصر عن "دار الشروق." "ليلة واحدة تكفي" لقاسم توفيق من الأردن عن "الآن ناشرون وموزعون". "حجر السعادة" لأزهر جرجيس من العراق عن "دار الرافدين". "اسمي زيزفون" لسوسن جميل حسن من سوريا عن "منشورات الربيع". "حاكمة القلعتين" للينا هويان الحسن من سوريا عن "دار الآداب". "بيتنا الكبير" لربيعة ريحان من المغرب عن "دار العين". "كونشيرتو قورينا إدواردو" لنجوى بن شتوان من ليبيا عن "منشورات تكوين" – العراق. "أيام الشمس المشرقة" لميرال الطحاوي من مصر عن "دار العين". "الأفق الأعلى" لفاطمة عبد الحميد من السعودية عن "منشورات مسكيلياني" – الإمارات. "عصور دانيال في مدينة الخيوط" لأحمد عبد اللطيف من مصر عن "دار العين". "الأنتكخانة" لناصر عراق من مصر عن "دار الشروق". "بار ليالينا" لأحمد الفخراني من مصر عن "دار الشروق". "تغريبة القافر" لزهران القاسمي من عمان عن "دار رشم". "معزوفة الأرنب" لمحمد الهرادي من المغرب عن "منشورات المتوسط".

تألفت لجنة التحكيم لهذا العام برئاسة الكاتب والروائي المغربي محمد الأشعري (سبق أن فاز بالجائزة سنة2011عن روايته "القوس والفراشة" مناصفة مع السعودية رجاء العالم)، وعضوية كل من المصرية ريم بسيوني، والمترجم السويدي تيتز روك، والعُمانية عزيزةالطائي، والجزائرية فضيلة الفاروق.


احتفظت "البوكر" عبر 15 عاماً من عمرها ببريقها وتمكّنت من الاحتفاظ بمكانتها كأهمّ جائزة عربيّة في مجال الرواية

 

 



تحدّث بيان الجائزة بشكل عام عن بعض القضايا والمسائل التي عالجتها الروايات المختارة، "من الهجرة وتجربة المنفى واللجوء، إلى العلاقات الإنسانية، سواء منها العابر أو العميق. كما تستكشف الروايات عالم الطفولة وتجارب التحول من الطفولة إلى النضج، مُظهرة من خلال ذلك الاضطرابات السياسية المتشعبة وشتى الصراعات الفردية والجماعية. في الروايات نجد السخرية والواقعية السحرية والديستوبيا والرمزية، كما نجد محاولات لاستثمار التراث الشعبي والحكايات الشفاهية من أجل فهم القضايا السياسية والاجتماعية الراهنة...".

وأشار محمد الأشعري، رئيس لجنة التحكيم، في إطار تعليقه على القائمة الطويلة إلى تعدد "أساليب الكتابة، حيث اشتملت على تقنيات التحقيق الصحافي، التسجيل السينمائي، والحكي التراثي، كما توسلت بالسخرية والتأمل واللغة الشعرية".

وبحسب البيان فإن الدورة الحالية من الجائزة شهدت وصول كُتّاب إلى القائمة الطويلة بلغوا المراحل الأخيرة للجائزة سابقا، وهم: عائشة إبراهيم، أزهر جرجيس، لينا هويان الحسن، نجوى بن شتوان، ميرال الطحاوي، أحمد عبد اللطيف، وناصر عراق. كما شهدت هذه الدورة وصول تسعة كتّاب للمرة الأولى إلى القائمة الطويلة وهم: الصديق حاج أحمد، مي التلمساني، قاسم توفيق، سوسن جميل حسن، ربيعة ريحان، فاطمة عبد الحميد، أحمد الفخراني، زهران القاسمي، ومحمد الهرادي.


بعض أغلفة الكتب المرشحة على القائمة الطويلة لجائزة "البوكر العربية"


بقراءة البيان يتساءل القارئ عن ظروف اختيار الروايات والروائيين والروائيات، وهل هي عائدة إلى اختيارات مبنية على الموضوعات أم على الأساليب، على الحكايات أم على سبل سرد الحكايات وطرائق الصياغة والتعبير، وتجريب الروائيين و"لعبهم" في عوالم رواياتهم، وهنا لا يستدلّ إلى إجابة شافية، على اعتبار أنّ ذائقات المحكّمين بدورها لا تخلو من تنويع يجعل من الصعب الحكم على أسباب تصدير هذه الرواية أو تلك بدقة، ويفسح المجال للتخمين ويشرع الأبواب للاجتهاد والتساؤل عن مقوّمات الجودة والتميّز والتجريب.

وعلى الرغم من أنّ الجائزة غير مخصصة لأيّ توزيع قطريّ، إلا أنّ الحديث عن التوزيع الجغرافي يظلّ حاضرا ومتجدّدا بدوره، حيث لوحظ في هذه الدورة غياب روايات من دول كان لها حضور كبير في السنوات السابقة، كلبنان وتونس وفلسطين والكويت ودول عربية أخرى، وذلك وسط حضور مصريّ طاغ (أربع روايات) بالمقارنة مع روايات من دول أخرى.  

في الحديث عن دور النشر التي اختيرت أعمالها المرشحة ضمن القائمة الطويلة، على اعتبار أنّ التتويج يكون لها أيضا وينعكس على مبيعاتها ويزيد فرص ترشيحاتها في الدورات اللاحقة، فهناك أيضا حضور طاغٍ لدور نشر مصرية، ثلاث روايات من "دار العين"، وثلاث من "دار الشروق" ورواية من "دار الربيع"، بالإضافة إلى دور نشر عربية أخرى أصبحت تحتلّ لنفسها مكانا في قوائم الجائزة بعد سنوات من العمل والمثابرة، كمنشورات "مسكيلياني" و"المتوسط".

تثار عدّة أسئلة مع إعلان القائمة الطويلة، عن مسار الجائزة، وتنشط التوقعات والتخمينات، منها مثلا: إلى من تتّجه الجائزة هذه السنة؟ هل تمضي لتتويج أحد الروائيين المصريين بحكم العدد الوافر منهم في القائمة الطويلة أم سيتمّ اختزال بعضهم في القائمة القصيرة بحيث يصبح هناك توازن جغرافي في توزيع الأسماء، وبالتالي تكافؤ فرص الفوز "القطرية"؟ هل يكون التوجّه لدعم رواية جديدة أو تكريس لأسماء سبق وحضرت في الجائزة ونالت حظّها من الشهرة والترويج؟ هل يكون هناك تتويج لمشاركات من دول لم يسبق لها الفوز بالجائزة على مر السنوات اللاحقة كلّها، على الرغم من أنّها تشهد فورة روائية وإبداعية مصاحبة كحال سوريا مثلا؟


لوحظ غياب روايات من دول كان لها حضور كبير في السنوات السابقة، كلبنان وتونس وفلسطين والكويت، وذلك وسط حضور مصريّ طاغ

 



من الطبيعي أن تعكس كلّ قائمة آراء لجان التحكيم، بحيث تكون الرواية الفائزة هي الأفضل عربيّا في دورتها، من وجهة نظر لجنة التحكيم، لكن ما يمارس نوعا من التسيّد الإعلامي هو تلقّف العمل وبدء تناوله مدحا وقدحا، على حساب الكثير من الأعمال التي لم تحظَ بإعجاب لجنة التحكيم، أو لم تتمكّن من الترشّح للجائزة.

ولعلّ  تعليق جوناثان تايلور السابق عما تثيره الجائزة من سجالات يعبّر عن حركيّتها، ويخرجها من إطار التوق والتخمين إلى مجال اللامتوقع من حيث تقديم التجارب الجديدة والمختلفة، وتكريس أسماء تدور في فلكها بطريقة أو بأخرى، إذ يبدو أن تراكم السنوات خلق حلقات من الروائيين الذين يحضرون في الجائزة كمرشحين أو محكّمين، ما قد يبدو رسماً لمسار الذوق الأدبي أو توجيهاً لدفّة الرواية وفق تجارب وأذواق بعينها.

لا خلاف على أنّ تأثير الجائزة متجدّد ومتعاظم في عالم الرواية العربية، والنقاش والجدال حولها لا يتوقّفان، بين الروائيين والنقاد والناشرين والصحافيين والقرّاء، حتّى بعد مرور سنوات على إعلان فائزين بها، إذ تقابَل أحيانا بانتقادات تحاول النيل منها بالموازاة مع مدائح وإشادات تحاول إضفاء التعظيم عليها، وهذا ما يمنحها القدرة على الاستمرار وإثارة الآراء المتباينة والمخالفة التي تقترح بدائلها التي تخدم بدورها الترويج للجائزة وإن في سياق مناقض أو نقديّ.

يشار إلى أنّ الجائزة العالمية للرواية العربية جائزة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي في اللغة العربية، ويرعى الجائزة مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما تحظى الجائزة بدعم من مؤسسة جائزة بوكر في لندن. 

عن مجلة المجلة اللندنية

https://www.majalla.com/node/286436/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%91%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%91%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A8

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم