وداد طه

لا يخلق العمل الروائي عالماً منغلقا أو كاملاً، لأن "الرواية لا توجد إلا في عالم متفجر، وجودها انعكاس لعالم مفكك، وتطورها يرتبط عضوياً بتاريخ المجتمعات التي تنشأ فيها."[1] بهذا تصبح الرواية بحثاً مأزقياً متوتراً، بطلها يبحث عن قيم مطلقة ولا يتعرف إليها لذلك هو في تناقض مع عالمه.

انطلاقاً من هذا المفهوم يمكن القول إن تطور الرواية من حيث أشكالها وأجيال تحقيق هذا التطور يرتبط بتشكل رؤى زمن كتابتها، وتالياً بالفعل المتبادل بين التطور الاقتصادي والاجتماعي من جهة، وبين الرؤى التي تنبثق من ذلك الفعل وذلك التطور. فهل هذا واقع الرواية العربية؟

من المعروف أن الرواية العربية لم تدخل المرحلة الكبرى من مراحل تطورها، إلا في الستينيات من القرن الماضي، وتحديداً إثر هزيمة يونيو/حزيران عام 67 التي دفعت إلى السطح العديد من الأسئلة والمواضيع الساخنة التي تتطلب المواجهة والمعالجة عند إنسان تلك المرحلة. فتحولت الرواية العربية عن الرومانسية إلى الواقعية، وظهرت في هذه المرحلة في الوطن العربي أصوات روائية مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وحنا مينة، وجبرا إبراهيم جبرا، وغسان كنفاني، والطاهر وطار، والطيب صالح، وعبدالرحمن منيف، وإبراهيم إسحاق، وعبدالكريم ناصيف، وحيدر حيدر، وإميل حبيبي، وسحر خليفة، وسهيل إدريس، وعبدالرحمن الشرقاوي، ومحمد ديب.

فهل اختلف واقع الرواية اليوم عنه في ذلك الوقت؟
إذا كان الجواب مرتبطاً بالحروب وتشكلها في واقع العربي فالروائيون العرب مازالوا يعايشون الحرب، على اختلاف وجوهها وأقنعتها، ربما غاب الحلم القومي العربي الأوحد، كما مع غسان كنفاني مثلاً، إلا أنه لا عمل روائياً غير مرتبط بأيديولوجيا تسيره، هي موقف الكاتب نفسه. فإذا كانت المواقف السياسية والوجودية والعَقدية الحافز على الكتابة، سنجد أن اللحظة التاريخية المعاصرة المسيرة للعمل الروائي ، تتحكم في أنا الكاتب/ أو البطل الروائي وهي تنبثق فيه فيما هو يمنح المنتج ولادته. فالروائي هو حلقة الوصل، تترسب في وعيه القيم التي ترتبط بحياة الجماعة التي ينتمي إليها، فيتمكن من إبداع شخصيات تعتبر أن قضايا عصرها هي قضاياها الذاتية والشخصية. وهكذا فإن الرواية تعيد إنتاج الاجتماعي كوحدة، فيها تكمن صيرورة الحقيقة الكامنة في المجتمع، وفيها كذلك مآلها وطموحاتها الكبرى، وتلك الأشكال الجديدة المتغيرة والممكنة التشكل. وهذا يتبدى فيما نشهده من نماذج أبطال الكثير من الروايات العربية.

الوجود الأصيل وحده يشعر بالمصير وبضربة القدر، لعل ذلك يفهم في ضوء محاولة الكائن الأصيل، إنسان اليوم الواعي لذاته، فيما جماعته أو عالمه يحاول أن يسحقه ويمحو وجوده. وهنا يبرز فلسطينياً مشروع الروائي إبراهيم نصر الله كمثال جيد على جيل من الروائيين العرب الذين كانوا ومازالوا يحاولون النجاة من سقوط وجوههم/ أوطانهم في ثقب أسود اسمه العالم.

إن ما تقدمه تلك الأعمال من نماذج روائية هو نموذج لإنسان كان له حلم أصيل وفقده. رحلته تعرف معاني ومراحل كثيرة، ما يجمعها هو صيرورة حياة الجماعة كلها، التي هي الفرد نفسه، بكونه منتمياً إلى جماعة يحبها، جماعة عادية من الجماعات البشرية التي عرفها التاريخ، أفرادها يموتون ويحلمون يخونون يتزوجون يتألمون، يصارعون المحتل، من دون أن يهمهم إصلاح شيء في هذا العالم، ضمناً يعرفون أن قيمهم غاب خطابها حين غابت إرادة العالم الحرة الواعية.

إن نماذج بعض الروايات من مثل رواية فواز حداد الشاعر وجامع الهوامش أو السوريون الأعداء، ورواية هيثم حسين قد لا يبقى أحد أو الجزائري عبدالوهاب العيساوي في ديوانه الإسبرطي، تقدم نماذج واقعية تبحث عن الإنسان/الوطن، تحلم بالعودة إلى الأصالة، وتهدف إلى تثبيت أصالة الفرد في زمن المتغيرات السريعة، فيها سعي حثيث إلى إيجاد الحرية والمساواة بين أبناء البشر، وسؤال أصيل عن الحق في الوطن، عن هوية الوطن وعن معنى الانتماء الكلي الأوسع. وإذا كانت السيرة الذاتية نموذجاً مقبولاً للرواية، فسنجد كيف أن إدوارد سعيد مثلاً في "خارج المكان" فيما هو يحكي عن ذاته ويعيد تشكيلها، تمكن من تجاوز المكان، كحيز جغرافي، ساعياً إلى مناقشة هموم العصر العامة بحرية تتخطى فلسطينيته وتعبر نحو نموذج الإنسان العالمي.

فإلى أي نموذج إنساني سيلجأ الروائيون العرب لو اختفت الحروب من واقع العربي؟ لو باتت الأوطان ملاذاً وغدت الحرية شعار المرحلة…. ترى ما هي الرؤى التي سيطلقونها نحو العالم؟

[1] أيوب نبيل، نص القارئ المختلف 2 وسيميائية الخطاب النقدي، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، ص 86 87.


عن عربي بوست

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم