د. عايض حمد عبدالله القحطاني

سئل الروائي إيريك أيمانويل شميت عن روايته "إبراهيم وزهور القرآن" لماذا كانت قصيرة؟ فرد بأنه قد تعلم من كتاب فرنسا الأولين في عصر التنوير أن يكتب نصف العمل ليدع القارئ المتلقي يكمل النصف المتبقي. وهذا كلام جميل ومستحب. فالعبرة ليست بطول العمل، وإنما بقدرة المؤلف على بعث محتوى غني، وجعل القارئ يتفاعل مع أحداث الرواية القصيرة ويثير مكنوناته ليضيف ويستكمل ما يقرأ.

الرواية القصيرة – في نظري – هي المستقبل في عالم كتابة الرواية والقصة. هي ملائمة أكثر لعصر كثر فيه القول"لا أجد الوقت الكافي للقراءة". وهي مناسبة لأنها أقرب إلى الوسط بين القصة القصيرة والرواية. لم يُتّفق على عدد كلمات الرواية القصيرة (Novella) النوڨيلا عند الشرق وعند الغرب. فعندنا من 10000 كلمة إلى 20000 كلمة بينما في الغرب 7500 كلمة إلى 40000 كلمة. العدد بالضبط لا يمثل إشكالًا طالما أنها بحجم متوسط لا ينظر إليه على أنه حجم القصة قصيرة ولا يدخل في إطار حجم الرواية الطويلة.

إن شئت ضربت لك الأمثال لتكتمل عندك الفكرة. القصة القصيرة بمثابة المقطع المرئي السريع والرواية بمثابة الفيلم السينمائي، وبينهما الرواية القصيرة بمنزلة الفيلم القصير. وهناك فن المجموعة القصصية الذي هو أشبه بالمسلسل التلفازي وهو ليس بموضوع اهتمام هذا المقال.

الرواية القصيرة كانت ضحية التصنيف الخاطئ، لأنها أدخلت في موضع الفن القصصي، ولم تعّرف على أنها رواية، ورفض النقد الاعتراف بفروق بين القصة والرواية القصيرة!

وبما أن الرواية هي فن قول الحياة، فالرواية القصيرة يمكن لها أن تجمع الكثير في القليل. فقد بين الباحث الدكتور أبو المعاطي الرمادي خصائص الرواية القصيرة في أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراة كالآتي:

الرواية القصيرة لها حجم متوسط وهو حجم غير محكوم بعدد محدد من الكلمات. استهلال ذو طبيعة خاصة. تميل الروايات القصيرة للاستهلالات المركزة المكثفة؛ بسبب اعتمادها على شخصية محورية واحدة، وحدث محوري واحد، ولا يتعدى استهلالها الفقرة الأولى، وأحيانا السطر الأول. لها لغة مكثفة، نوعية خاصة من الأبطال، حدث مركزي واحد، وجهة نظر خاصة للواقع، وملمح السخرية، وإثارة الأسئلة.

يعجبني أيضا مسمى للرواية القصيرة أقرب إلى وصف حالة القارئ لها من صفتها هي. هذا المسمى هو رواية "النَفَس الواحد" أو رواية "الجلسة الواحدة". في الرواية القصيرة ملجأ ومتنفس للقراء المبتدئون، يستطيعون فيه عيش أجواء الرواية الكاملة الطويلة، تامة التفاصيل، دون أن يشعروا بالملل والنفور.

والرواية القصيرة أشبه بالأغنية الحديثة الراقية التي تلامس المشاعر، بكلمات مسبوكة، ولحن شجي، بدقائق معدودة فقط. بينما الرواية الطويلة المسهبة، أقرب إلى الأغاني القديمة التي تحتوي على موال مطوّل، يستعرض المغني فيه قدراته، ومساحته الصوتية، هذا إن لم يسبقه معزوفة ووصلة لحنية تظهر كل الأدوات المستخدمة في اللحن!

والمكتبة العربية والأجنبية تتزينان بأعمال مميزة من صنف الرواية القصيرة. على سبيل المثال لا الحصر، رواية "العنكبوت" لمصطفى محمود، ورواية لا تكاد تجد لها نسخ متوفرة، وجدتها عند سور الأزبكية في مصر، بعنوان "مستشفى المجاذيب" للبرازيلي ماشادو دي أسيس، ترجمها سالم علي سالم. كذلك، رواية "العسكري الأسود" ليوسف إدريس، و" رجال في الشمس" لغسان كنفاني.

ومن الروايات القصيرة العالمية رواية "الشيخ والبحر" لأرنست هيمينجواي، ورواية "الغريب" لألبير كامي. ومنها المرموقة عالميا كرواية "مزرعة الحيوان" للأنجليزي جورج أوريل، و"قصة موت معلن" لجابرييل جارسيا ماركيز، ورواية "في مستعمرة العقاب" لفرانز كافكا، و"الخيميائي" لباولو كويلو.

كل الروايات السابقة يمكن قراءتها في جلسة واحدة، وبتفس واحد، يمكن من خلالها الوقوع في حب الأدب، وتطوير ذائقة لعناصر الرواية الإبداعية المكتملة. بقي أن نتعرف لماذا تكتب الرواية؟ الجواب على هكذا سؤال تفننت في الرد عليه زهرة ديك الروائية الجزائرية في مقال لها عن الرواية القصيرة. تقول: "هناك من يكتب ليمارس مطلق القول، مطلق الصدق، فيصنع كثافة الصدمة، وتشرق كلماته في وعي القارئ أينما كان وكيفما كان. وهناك من يكتب لإضفاء قيمة على حياته وجعلها متوهجة، ومشرقة بالشهرة والمعنى. وهناك من يكتب ليخلف أثرا مميزا يخلد اسمه. ومن يكتب ليثبت لنفسه وللآخر أنه يتقن فن الحياة ويتدرب عليه مع كل منجز".

قائمة المراجع :

المراجع العربية :

  1. أ.د. محمد شيحة :"إيريك شميت عاشق الفلسفة " سلسلة من المسرح العالمي، المجلس الوطني للثقافة والفنون واللآداب، الكويت، 2016.
  2. د. أبو المعاطي خيري الرمادي :" الرواية المصرية القصيرة في الربع الأخير من القرن العشرين. دراسة تحليلية في المضمون والشكل "، مكتبة بستان المعرفة، 2006.
  3. هدى ديك :" الرواية الطويلة أم الرواية القصيرة أيهما يفضلها قارئ اليوم ؟ " جريدة الحوار الجزائرية، الصفحة الثقافية، الجزائر، 2010.

المراجع الأجنبية :

  1. Nick Earls : " Have novellas become the happy medium between a tweet and tome? ". The Guardian, United Kingdom, May 2016.
  2. Creative Writing Blog: " How to write a novella ". eadeverell.com, Jan 2018.
  • مؤلف من الكويت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم