رجاء عمار

عندما كنت صغيرة، أبهرني الكليم بألوانه المختلفة، كنت أمرر كفي من صف إلى صف، كأني أنتقل إلى عالم آخر، وأنسج حكايات وأبطالا لا يراهم سواي ممتطين أصابعي، يخبون أوبة وذهاب بين هذه العوالم المتراصة جنبا إلى جنب،
لكني، حين كبرت قليلا، ما عاد هذا الكليم يروقني بالمرة، لأني حين نظرت إليه، وجدته مفتقرا للفرادة، شتات مرصوص فحسب وإن أجاد صاحبه (صانع الكليم) التنسيق والتنظيم إلى درجة الإقناع للوهلة الأولى وإرضاء الحاجة التي صنع من أجلها.

وهكذا هي حدث أبو هريرة، نص مكتوب بأسلوب مغمس في البراعة، لكن، متى قشرته ووقفت عند المعنى والمرجعيات، سواء دينا او أسطورة أو فلسفة، ستجد أن معدن إبداعه ليس أصيلا، وإنما تقليد وترسيخ للقوالب الفكرية من صخرة سيزيف إلى زرادشت نيتشه إلى رومنطيقية جبران ونبيه والشابي ورسوله وتلك النظرة المتعالية التي تؤله فردا وتقبح جماعة وتجعلهم بعوضا، إضافة إلى النظرة المحقرة للمرأة في اكثر من سياق.
هل كان المؤلف يكتب نصا ليتباهى بقدرته على استعمال اللغة وتطويعها إلى درجة يجعلها شبيهة بوحي ينزل على لسان شخصيته..هذه الشخصية المدعية للنبوة، فوحيها ليس فريدا وإنما مخاض أذهان بشرية لا غير،
وهو ذات الأمر الذي نلاحظه في سده، وإن كان لغيلان قضية وهدفا ورؤية واضحة، وهو ما افتقر إليه أبو هريرة الذي لا ندرك لماذا تبدي الشخوص هياما به وتبوئهدرجة عظيمة وتجله، ليتم إسقاط مشاهد لأنبياء ساقوا  قومهم إلى الهدى وأكرموهم فكانت النتيجة جحودا ( المن والسلوى  والمائدة وغيرها)
هذا إضافة إلى تغييب المنطق في سرد الأحداث ولعل أهمها القادح لها، أبو هريرة  شخص عادي فهل من المقنع أن تقلب تجربته الاولى حياته رأسا على عقب..ربما..لكن، هل نسمي ما مر به تجربة وهو المكتفي بالملاحظة، وعاد إلى منزله مستغفرا؟
....
أما الجملة الأخيرة ( رحم الله أبا هريرة لقد كان أعظم من الحياة)، فهي بمثابة الطلقة التي قتلت النص وأردته، لأنها أسقطت كل التجارب السابقة وأهمية ما سيتلوها واتخذت العبث عقيدة، لأنها دال خاو من مدلول، مهما ابتدع من تأويلات.
جملة :"إن استطعت فاجعل كامل حياتك فجرا"، تتويج أنسب ربما، لما فيه من شحنة تعبيرية وتصنيف إلقاء نفسه من على جبل بعثا مختلفا.
يكمن الإشكال في أن يبقى الكاتب أسير فكرة، فينال من جهده التكرار، ويمنح للوجود نسخا متشابهة من الشخصيات ويكبله خوف الخروج عن المألوف..وحتى الخروج من رحاب الفكرة الواحدة لعل الفرصة تسنح وتوقع الشخصية حياتها بنهاية مغايرة.
الفكرة مهما اتسعت ضيقة ومهما دارت في قلب رحى الفكر، ستشبع مرة .. مرتين..ثم ستدور الرحى في الفراغ محدثة ضجيجا قد تقتصر عليه الأسماع لتمجيد الفعل دون التثبت في النتيجة.

  • رجاء عمار: باحثة في علوم الإعلام والاتصال
    تونس

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم