نجاح عدّة رواياتٍ بِشكلٍ سَنويٍّ ليس مقْياساً دقيقاً لتقييم الحالةِ الصحيّة والإبداعيّة للرّوايّة العربيّة، وأستطيع القول، وبضميرٍ مرتاح، إنّها روايّة غير مُنَافِسَةٍ يقيناً؛ نظراً للكم الكبير والبائس من رواياتِ الغث والمراوحة واللزوجة والميوعة والانفصامات أو المعارك الشخصيّة الّتي نتعثرُ بِها هُنا وهُناك بشكلٍ يوميٍّ تقريباً. مؤخراً قرأْتُ عشر روايات، عشر روايات من تلك المتأهلة إلى القوائم القصيرة والطويلة لأهمّ وأشهر المسابقات العربيّة، فماذا كانت الحصيلة؟ لم أخرج إلا بِفصلٍ من روايّةٍ، وفصلين من أخرى! والسبّب في فشل هذه الرّوايّة ـ كما أرى ـ ينحصر في بعض النقاط:

1ـ النقّاد الّذين نصّبوا مِنْ أنفسهم آلهةً، وعلى سائر الكُتّاب أنْ يأتمروا بِما يقترحونه مِنْ أدبٍ إملائيٍّ عليهم ومن قواعد ونظريات، متناسينَ أنَّ الأدبَ، المبدع والمنفلت والمتمرد تحديداً، لم يكنْ في يومٍ من الأيام بخاضعٍ لمعيارٍ أو لنظريةٍ أو بحثٍ أكاديميٍّ بائسٍ. بل إنَّ النقد الّذي يتناول بالبحث والتمحيص والدراسة إبداعاً أدبيّاً ما، يصوغ أهمّ نظرياته النقديّة من ثمّ، بناءً على قراءته لذلك الإبداع. ولعلّ السؤال التالي يحمل الجواب في طياته على ما تقدم من كلامٍ: لماذا لم نقرأ اسماً فاحصاً وثاقِبَاً لناقدٍ عربيَّ منذ ربع قرنٍ تقريباً!؟

2ـ الكُتّاب الّذين يكتبون أكثر مما يقرؤون، وغالباً لا يقرؤون إلا ما يرتكبون من ( فتوحات)، هم، وعلى هذا الأساس، أحد أهمّ أسباب فشل الرّوايّة العربيّة، ويكفي أنْ أشيرَ في هذا المعرض إلى أنَّ الرّوايات الّتي كُتِبَت في السنوات العشر الأخيرة عن الحرْب السوريّة مثلاً كانت بأقلامِ كُتّابٍ سوريين يعيشون خارج سورية!.

3ـ الجوائز والمسابقات العربيّة الّتي تمنح جوائزها لكُتّابٍ ( تشاء المصادفة أحياناً ) أنْ تلتقي أفكارهم ورؤاهم الأدبيّة والسياسيّة المبثوثة / المسكوبة في كتاباتهم مع أفكار ورؤى القائمين على تلك المسابقات، وذلك في إطاحةٍ سافرةٍ بالمبدع والمبتكر من الأعمال المُشارِكة، وتكريزٍ فجٍّ للغث والسمج، الموائم والمتوافق، بل فوزه من ثمّ، على الرغم من سويته الإبداعيّة البائسة. فضلاً عن منح الجوائز لكُتّابٍ في خريف العمر، الأمر مع هذا الصنف الأخير يمكن اعتباره " مكافأة نهاية الخدمة"، كما حدث في الدورة الأخيرة من مسابقة بوكر بعد منح الجائزة للكاتبة "هدى بركات" عن عملها المتواضع" بريد الليل".

4ـ الإعلام الّذي يسوّقُ منذ العقدين تقريباً على أنّ هذا الزمن هو زمن الرّوايّة، وهذه كذبة كبيرة جِدّاً؛ ولا أدري من ابتدعها؟ من تبناها؟ ومن كرّس لها!؟. نقول إنّ هذا الزمن هو زمن كذا عندما يكون رائجاً، ومزدهراً، ويأتي بجديدٍ، فما هو الجديد الّذي جاءت بِهِ الرّوايّة؟ بضع روايّات خلال عشرين عامّاً!؟ ستقولون إنَّ العبرةَ ليس بالكم، وأنا سأؤيدكم، فماذا عن الكيف؟ الرّوايّة يا سادة في ( عزّ دين ) فترة اِزدهارها كانت وما زالت تعاني من الأمراضِ والنواقصِ الجماليّة والفنيّة والأسلوبيّة ذاتها الّتي يعاني منها الشِعر والقصّة القصيرة، بل أستطيعُ القول إنَّنا نشهدُ اِزدهاراً قِصّصيّاً وشِعريّاً شاء لي الاطلاع عليه من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ، وتتعمد الصحف والمجلات العربيّة ألا تنشره، أشعار وقصّص مُنافِسة ومبدعة تحفر عميقاً في المدونة السرديّة والشعريّة. وهو الأمر الّذي تفتقر إليه الرّوايّة العربيّة الّتي بقيت حبيسة جدران الكذب الإعلاميّ المُضلّل وبريق الجوائز.

عن صفحة الكاتب على الفيسبوك

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم