بريد الليل عملٌ أقرب للمذكرات، ويمكن عدّه سيرة، أو نوفيلا ـ 126 صفحة ـ تفتقر لأبسط الشروط الّتي يتطلبها العمل الأدبيّ الروائيّ، أقلّها مثلاً: الإثارة، التشويق، الفائدة، والمتعة. فهذا العمل (الروائيّ)، الفائز بمسابقة بوكر 2019، عملٌ يفتقر ـ للأسف ـ لجُلّ ما هو فنيّ وفارق وصادم، بل إنّني قد أستمتُّ، وحاولْتُ جاهداً أنْ أدوّنَ هنا نقطة متجاوزة لصالحه لكنّني لم أتعثر بها، وإليكم بعض النقاط الّتي خلصت لها بعد قراءة العمل:

ـ يشعر قارئ هذا العمل بأنّهُ يقرأ عملاً قديماً / مُسْتَهْلَكَاً، أو عملاً كُتِبَ منذ زمنٍ، وعلى مراحل، في أوقات متفرقةٍ، ثُمّ، تمّ جمعه على عجلٍ، الرسائل والبريد وساعي البريد أو البوسطجيّ، بمعنى أنّهُ عملٌ غير مواكبٍ البتّة لعصرنا المخيف، السريع، عصر السوشال ميديا / وسائل التواصل الاجتماعيّ، أكرّرُ بأنّ القارئ سيشعرُ أنّه يقراً عملاً قديماً لكنْ تمّ تطعيمه لاحقاً ببعض مواضيع الساعة، أو المواضيع البرّاقة الّتي لا يربط بينها هنا أي رابط كالمثليّة واللجوء وداعش والاغتراب.

ـ لنْ أقولَ كلاماً جديداً من أنّ المكان يكاد يكون من أهمّ شروط كتابة العمل الروائيّ، لكنّني أرى أنَّ المكان أو استحداثه بطلٌ من أبطال الرواية لا يقل دوره عن دور بطل الرواية أو الشخصيّة المركزيّة. عن المكان في "بريد الليل" أتحدث!.

ـ لا تنظم " عزيزتي.. أبي العزيز.. أمي العزيزة.. أخي العزيز.. أختي العزيزة"، أو فصول هذا العمل أي وحدة روائيّة / عضويّة. أي أنّنا أمام هيكلٍ (روائيٍّ) هشٍ تخترق فقراته ما هبّ ودبّ من الحالات النفسيّة والمونولوغات أو التخريف غير المترابط والتصنع والكلام الانشائيّ، العادي.. جداً.

ـ لغة العمل لغة موفقة، سرديّة بحتة، جريئة، غير متحرجة، لكنّها تفتقر لشعريّة العمل الروائيّ وايحائيته المرمزة، الماكرة أحياناً.

ـ قرأت أعمالاً في القائمتين القصيرة والطويلة، وثمّة بعض الروايات الّتي كانت تستحق الفوز بالجائزة، وبجدارة.

ـ قيض لكاتب هذه السطور قراءة كلّ الأعمال الّتي ظفرت بجائزة بوكر منذ انطلاقتها عام 2008 وحتّى الآن، أقول، وأجري على الله، أنَّ كلّ تلك الأعمال، وعلى رأسها واحة الغروب وعزازيل وترمي بشرر وفرانكشتاين في بغداد وساق البامبو، كانت أعمالاً بارعةً من حيث التكنيك الروائيّ، المعماريّ واللغويّ على حدٍ سواء، وعلى الرغم من تفاوتها في الأهمية، إلا إنّها كانت أفضل بسنواتٍ روائيّة / ضوئيّة من " بريد الليل".

لقد سجّلَت هدى بركات هدفاً متسلّلاً في مرمى بوكر، ونقّاد بوكر، أو لجنة الحكم، عدّته هدفاً شرعيّاً لا غبار عليه، فلِمَ؟.

ربّما سيحق لنّا، نحن القرّاء ـ أنْ نطالبَ بتقنية الـ " VAR" في الدورات البوكريّة القادمة؛ كي لا نقرأ أعمالاً متسلّلةً...

ـــــــــــــــــ من صفحة الكاتب على الفيسبوك https://www.facebook.com/omran.ezzaldeen

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم