وأنت تتابع ردود فعل «بعض» الروائيين على قوائم بوكر والمقالات والنقاشات التي تدور حول نزاهة اللجنة أو موضوعية اختيار أعضائها، ربما تتذكر- إن كنت تلميذا مجتهدا في طفولتك- حالة الغضب والتشكيك التي تنفجر بمجرد تسلم الشهادات وإعلان اسم الأول على الفصل.

أحدهم يستنكر استبعاد جنسية معينة من القائمة، وآخر يعلن بغضب وفي بيان طويل أنه لن يشارك في الجائزة مرة أخرى لأنه أرفع مستوى منها- كما يقول- ويكفيه فخرا بأنه الروائي الوحيد الذي يحمل جنسية معينة ووصل للقائمة مرتين. وآخرون يتهامسون أو يلمحون الى أن هناك اعتبارات غير نقدية هي التي أوصلت رواية فلان أو فلانة. ولا نعلم فربما أحدهم بكى عندما ظهرت القائمة ولم يكن فيها اسمه!

الغالبية لها رأي علني أو غير علني بأن جائزة بوكر لا تمنح بالضرورة للرواية الأفضل، ولا كل الروايات التي تستحق تتقدم أصلا للجائزة. وغرض المشاركة في بوكر هو تسويق الرواية وتعريف القراء بها، حيث ان دور النشر تبيع جيدا الرواية التي حصلت على جائزة البوكر. لا أحد يستطيع أن يدعي أنه يشارك ليحصل على اعتراف نقدي بأن الرواية جيدة. لأن لجنة تحكيم بوكر لم تكن في أي دورة تقريبا في كبار النقاد، وهذا شيء لم تخدع به الجائزة أحدا ومعلن للجميع. وبهذا فإن الضجة السنوية عند إعلان أسماء لجنة التحكيم لا معنى ولا مبرر لها.

فهل المشكلة في الجائزة أم في دور النشر أم الكتاب؟ الجائزة أعلنت عن شروطها وبتتالي الدورات وضحت للجميع آلية اختيار اللجنة، وحيثياتها، التي تختلف من عام لآخر، في تقييم الروايات. ودور النشر من حقها أن تروج للروايات التي تطبعها بترشيح من تراه محتمل الفوز. والكاتب يعلم ماهية هذه الجائزة وموافق على اللعبة بدخوله فيها. هو يريد أن تسوق روايته تحت عنوان أنها فازت بجائزة مهمة. وبالنهاية تخرج الأقلام لتقول هذه الجوائز غير نزيهة وأساءت للمشهد الروائي العربي.

الحقيقة أن من أساء للرواية هم الروائيون الذين تحولوا الى تلاميذ فصل يريد كل منهم ان يكون صاحب المركز الأول، أو سباق خيول وأحدهم يريد أن يكون الحصان الفائز، سواء كانت الجائزة من بوكر أم من جهة أخرى. يوما ما كان رفض أديب لجائزة هو الحدث وهو الموقف مع ملاحظة أن منح الجائزة لأديب أو روائي في الغرب لا تعني قبوله لها، فهي تمنح وهو يرفض أو يقبل، وكلمة «أقبل» هي التي يستخدمها أدباء الغرب في مؤتمراتهم الصحافية عند إعلان فوزهم بجائزة أدبية أو تكريم ما. بل أذكر أن موديانو الحائز على «نوبل» قال إنه حريص على معرفة أسباب منحه هذه الجائزة، واعتبر فوزه أمرا غريبا جدا. وأبدى فيليب روث «قبوله» أيضا لجائزة مان بوكر عندما حصل عليها في 2011. ولأن ثقافة علاقة الأديب في الغرب بالجائزة مختلفة عما هو دارج عندنا، فحتى كلمة «أقبل» لا تجدها في الغالب عند تغطية الإعلام والصحافة العربية للخبر.

قبل أن نتفرج على الاشتباك غير الثقافي الذي يحدث بسببها بين المثقفين، ربما يجب أن نتساءل عن سبب الكتابة؟ وأن ننظر خلفنا لسنوات مضت لنرى روائيين وكتابا كبارا لم تبع كتبهم إلا بأعداد تعتبر قليلة مقارنة بما يبيعه روائي واحد في أحد معارض الكتاب. الكاتب يريد أن يكون مقروءا وهذا من حقه بالتأكيد، وجيد أن يتعرف القارئ من خلال قوائم الجائزة على كتّاب لم يكن يعرفهم أو يسلّط الضوء عليهم. ولكن أن تتحول شهوة التفوق أو الرغبة في الاعتراف- بعيدا عن معيار نقدي حقيقي- إلى أزمة شخصية لدى الروائي فتلك هي المشكلة.

عن صحيفة القبس الكويتية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم