ما إن نقرأ نصاً معقد التراكيب حتى نفكرعلى الفور بمجموع الخدع اللغوية التي يقصدها الكاتب.. هذه الاتهامات ليست سائدة على مستويات بسيطة بل كذلك هي قضية أساسية وسط الفلاسفة والمفكرين انفسهم كإتهام الفلاسفة التحليليين للفلاسفة الاوربيين والفرنسيين خاصة باستخدام لغة منمقة بلا معنى.

لنبقى في مستوياتنا المتواضعة ?. برأيي كل حركة لغوية هي مجاراة للفكر المتدفق وخرط في بنتيه لإظهار الفكرة جلية ودقيقة بحسب رغبة المفكر. واللغة متعلقة تعلقاً حميمياً بالفكرة التي تقودها, متعلقة بها ولكن دون أمل في الإمساك الكلي بها. ببساطة لأن الفكر يحتوي ويعمل بشكل اكبر بكثير مما تنتجه اللغة, فسعي اللغة لايغدو أكثر من مجاراة للفكرة و محاولة لاستكمال قصورها بالنخر اعمق وأدق مما تستطيع ابتغاء لعمق المعنى. وهي لاتصله في الغالب كما تبتغي. ويمكن تشبيه الامر بمحاولة تفريغ نبع بواسطة ملعقة. يضاف إلى ذلك أن كل لغة مرتبطة ارتباطاً وثيقا بفكر وتطور و نفسية الشعب المتكلم بها, ففي حين أن بعض اللغات يسمح الغنى الشكلي فيها بالمجازفة بالمعنى, تسير لغة أخرى نحو الفكرة متحررة من ثقل اللغة وقيودها.

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

هناك مقولة لسارترعصية على الفهم رغم انها لاتحتوي اية مصطلحات معقدة وهي التالي: الإنسان هو ما ليس هو... وليس ماهو ? ( un être qui est ce qu'il n'est pas et qui n'est pas ce qu'il est). لا اعتقد انه كانت هناك امكانية لقول هذه الفكرة بطريقة أبسط, إلا ان كان جائزاً ملئ صفحات وصفحات تفصيلية لتفكيك ما تختزنه هذه الجملة من تعقيدات فكرية. هنا يحشر سارتر الإنسان في الحاضر حشراً لارحمة فيه, و من ضمن ما يقصده سارتر في هذا الوصف الكثيف أن الإنسان متغير, متحول, متبرء في كل لحظة من الكائن السابق, متجمد في الآنية ولكنه متجاوزٌ لللحظة السابقة وغريبٌ عن اللحظة القادمة. الإنسان ليس ماهو في الماضي السابق بدقيقة وليس نفسه الكائن المستقبلي القادم بعد دقيقة. وكل هذه المحاولة تصب في فكرة سارتر الأساسية عن الإنسان في كونه حرية أبدية ( une liberté perpétuelle). وهذه الفكرة هي جزء من إيمان عميق لدى سارتر من ان الانسان حرية مستمرة, متحررة من كل مايجعله شيئا كالدين, العادات, الطبيعة البشرية, الميراث الماضي, الوراثة.... الفكرة تغدو إذاً المعيار الوحيد للبت في لغة معقدة مجانية أو لغة معقدة بهدف ايصال المعنى, إذا استثنينا من ذلك المحاولات الجوفاء لترقيع الافكار بالتنميق اللغوي المكشوف.

عن صفحة الكاتبة على الفيسبوك

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم