ما إن تنتشر ظاهرة ما حتّى يتهافت أدباء على تلقّفها ومحاولة تصويرها والكتابة عنها من أكثر من زاوية، يكون قسم منهم مأخوذاً ببهرجها وصداها، وآخرون مدفوعين برغبة الإفادة من بريقها الدعائيّ التسويقيّ في ترويج نتاجاتهم وتسليط المزيد من الأضواء عليها، وبعضهم يسعى إلى التعمّق فيها وإحاطتها بغية فهمها واستلهام العبر منها.

تبدّى تنظيم داعش الإرهابيّ نقطة استقطاب وجذب للروائيّين لينبشوا ظلامياته والظلمة التي فرضها على المدن والأمكنة التي تغلغل فيها واحتلّها وتحكّم بأهلها، وحاول إرجاعهم عشرات القرون إلى الوراء، في مسعى لتعطيل دورة الحياة الطبيعية وتدميرها، وإيقاف دورة الزمن، والخروج من مسار الحضارة والتقدم، والعودة إلى كهوف الجهل والتخلّف عبر الاتجار بالدين والشعارات، واقتراف أفظع الممارسات تحت يافطتها.

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

فرض داعش على المدن التي اغتصبها الانغلاق والقطيعة عن العالم، وعادة ما تجذب المجتمعات المغلقة الفضوليّين لاكتشاف أسرارها وخفاياها، واتخاذها وسيلة للانتشار والاشتهار، والكسب، وفي أحوال أخرى البحث عن الفهم والمعنى من ذلك، بحيث أن نقل أي تفصيل عن تلك المجتمعات المقيدة المحجوبة يثير فضول الآخرين للاطلاع عليه، ومحاولة فهمه وكشف النقاب عن المدفون فيه.

اندفع كتاب وكاتبات مدفوعين بدوافع شتّى لاقتحام عالم داعش السرّيّ، وإزاحة الغطاء عنه من خلال معالجاتهم وتصويرهم لما يدور فيه، وما يشتمل عليه من نقائض وغرائب ولا معقول يتنافى مع الزمن الراهن، ويبدو كأنه حكايات من أزمنة سحيقة بعيدة عن زمننا، لكنّه زمن موازٍ، زمن داعش المستلب من العصر الحديث والمنكّل به بأفظع السبل وأقذرها.

من الروايات التي وضعت داعش بصيغ مختلفة في عناوينها: “حبيبي داعشي” لهاجر عبدالصمد، “على مائدة داعش” لزهراء عبدالله، “راقصة داعش” لأسماء وهبة، “أيام داعش” لمصطفى محمود عواض.. بالإضافة إلى أعمال صُحفية وبحثية قاربت ظاهرة داعش الإرهابية وتأثيرها على المجتمعات التي فتكت بها وأفسدت بنيتها بأفكارها التي لا تنتمي إلى الإنسانيّة.

وهناك روايات أخرى عالجت آثار التنظيم الإرهابيّ من زوايا أخرى، ولم تستعن بداعش كعنوان للتسويق، بل آثرت معالجة تأثيراته الاجتماعية والواقعية على البشر والأمكنة سواء بسواء، ومن هذه الأعمال مثلاً: “شظايا فيروز″ للعراقي نوزت شمدين، “عذراء سنجار” للعراقي وارد بدر السالم، “سبايا سنجار” للسوري سليم بركات.. وغيرها من أعمال صوّرت جزءاً من ممارسات داعش وأخواته الإرهابية المتقنعة بأردية سوداء ظلاميّة تحجب الناس عن دورة الزمن العالمية وتأسرهم في زنازين ماضٍ مشوّه.

ربّما يصحّ القول بأنّ داعش الذي كان بمثابة استثمار لتجّار الأسلحة وأمراء الحروب تحوّل إلى استثمار أدبيّ وفنّيّ، وبات مادّة خصبة للمقاربة والتسويق والتجارة في ميدان الرواية والدراما معاً.. ويبدو حلقة في سلسلة التهافت على الظواهر الضاربة المحرّضة على الفضول والمثيرة للتساؤل والصدمة، وبالطبع، الباعثة على الاعتبار. كاتب سوري عن صحيفة العرب اللندنية http://alarab.co.uk/article/أفكار/126092/داعش-كعنوان-روائيّ-تجاري

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم