هل يمكن تأثير الزمن والتقدّم في العمر على الكاتب واستعداده للاشتغال كالسابق على تفاصيل أعماله وتحبيكها؟ هل يحتاج الروائي إلى الكف عن الكتابة حين يشعر بأنه قد وصل إلى “أرذل الكتابة”، أو أنّ ما قد ينشره لن يرتقي إلى مستوى الأعمال التي كان قد اشتغل عليها حين كان في أوج عطائه وصحّته؟

هل يصل الكاتب في عمله الأخير إلى ذروة كماله الأدبيّ والفنّي والأسلوبيّ أم يصل إلى طريق مسدود يكرّر فيها ذاته وأسلوبه؟ هل روايات الكتّاب الأخيرة هي تمارين على الرواية والأسلوب كالروايات الأولى؟ هل يترهّل الأسلوب أم يبلغ مستوى مميزا من الصقل والبراعة؟

كان إدوارد سعيد (1935 – 2003) قد تحدث في كتابه “عن الأسلوب المتأخر” عن جانب من هذه المسألة وكيف أنّ تحلل الجسد واعتلال الصحة يؤثران على أسلوب الكاتب وطريقته في الكتابة والحياة معا. وتمكن الإشارة هنا إلى أنّ الأسلوب المتأخّر قد يكون من النضج بمكان بحيث يظهر متجاوزا ما أبدعه صاحبه، كما أنّه قد يظلّ في نطاق محدود يرنو إلى بلوغ بعض ممّا كان قد بلغه صاحبه من قبل.

هناك روائيّون آثروا اعتزال الكتابة، كحالة الأميركيّ فيليب روث، وربّما يكون ذلك نتيجة إدراك منه أنّه قد تعب ووصل إلى نقطة لن يستطيع فيها إضافة أيّ جديد أو مبتكر لما أبدعه في أعماله السابقة، ويكون الاعتزال هنا منطلقا عن قوّة وإيمان ورضى عن تاريخه وإبداعه، لا متهربا من مواجهة الزمن بآثاره. وهناك آخرون يفضّلون التوجّه إلى القصص القصيرة أو اليوميات التي لا تحتاج إلى تحبيك كثير واشتغال على التفاصيل والربط والبناء الهندسي والدقة المفترضة للرواية.

مثلا رواية “العدد صفر” للإيطالي أمبرتو إيكو، وهي الرواية الأخيرة التي صدرت له، تعد من أضعف رواياته، ولا يمكن للقارئ تجاهل المقارنة بينها وبين رواياته السابقة التي أحدثت صدى كبيرا ولم تكف عن إثارة السجالات من حولها، سواء كانت روايته “اسم الوردة”، أو “مقبرة براغ” أو غيرهما، كما أنّها تظهر كتمرين على الكتابة لمن قرأ إيكو في أعماله الفكرية والنقدية والبحثية. رواية “إيزابيل” للإيطالي أنطونيو تابوكي التي صدرت بعد رحيله، وتعد العمل الأخير الذي نشر له، مع أنه قد يكون قد أنجزه منذ زمن، ولا سيما أنه كان قد تحدث عنه في مقابلات له، لكنه لم ينشر إلا بعد رحيله، وهنا يكون السؤال عن مدى رضى الكاتب عنه، وعن أسباب تأجيله أو إهماله لنشره في حياته، وما إن كان ينتظر العودة إليه والاشتغال عليه من جديد بحيث يرضى عنه قبل دفعه للنشر.

يقينا تبقى للروايات الأخيرة حكاياتها التي تختلف عن حكايات الروايات الأولى. ولعلّها تكون محطات لافتة في مسيرة أصحابها الباحثين عن إتمام دائرة أعمالهم الإبداعية، ووضع نقطة بداية جديدة لدربهم في عالمهم الأدبيّ الذي اشتغلوا على تصميمه وهندسته بحرفية وتفان طيلة أعمارهم.

عن صحيفة العرب اللندنية http://alarab.co.uk/article/أفكار/123136/الرواية-الأخيرة

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم