أثناء كتابة روايتي الثانية اخترت أغنية فاضل عواد المعروفة "هلو واحنه نهل" ولم أختر أغنية أخرى له أو حتى لغيره من مطربي السبعينات في هذا المشهد تحديداً. اخترت الاغنية بـ"إحساس" ووعي كامل. أثناء كتابة المشهد ترددت الاغنية في رأسي وصور خالتي الصغرى والاشرطة التي كان يشتريها أخي من العشار لفاضل عواد وحسين نعمة بطلب منها في رسائلها لنا وبإلحاح. وكانت تكتب كلمات هذه الاغنية في كل رسالة وعند زيارتها تطلب من اخي شراء أشرطة أخرى لنفس الاغنية لتهديها لجيرانها العراقيين هناك: "خالة هذي الاغنية تريحني وتخليني أبجي واتذكركم .. فاضل عواد مو تنسى!". كانت تعاني "الغربة" وأرادت أن تستذكر بهذه الاغنية الاهل والوطن. عاشت خالتي في السبعينيات حوالي خمس سنوات في الصومال وكانت تأتي لزيارتنا كل عطلة صيفية محملة بالهدايا: أواني خشبية، قلائد سن الفيل والفيل شخصيا بحجم صغير جداً والأساور (كلها من العاج). وعند زيارتها لنا تشغل المسجل على هذه الأغنية لنعيش معها أجوائها في الغربة وتبكي مع أمي وخالتي الأخرى على هذه الاغنية التي اصبحت عنوان غربة خالتي. اختارت خالتي هذه الاغنية بالذات بكامل وعيها أيضاً لانها لا تشبه الاغاني العراقية الاخرى المنقوعة بالدموع والحزن والكآبة (اغلب اغاني فاضل عواد راقية في حزنها وفيها أمل كبير) بل تشبهها هي، خالتي سيدة اجتماعية مرحة ومحبة للناس والحياة. كلما حاولت حذف المقطع الذي فيه إشارة للاغنية اسرعت وتكثفت ذكرى خالتي وصورها أكثر. صورتها وهي ترتدي الزي الصومالي وشعرها الطويل الذي يصل لركبتها تلفه في "طوبة" كما تسميها وتضعه في قمة رأسها وصورة اخرى وظفيرتها على كتفها الايسر وترتدي تنورة قصيرة رصاصية وقميص أحمر وشحاطة بكعب عالي (طول خالتي 180 سم)، صورتها مع معينتها في المنزل وأولادها وزوجها، صورتها مع الغزالة ومع جيرانها العراقيين هناك. لا علاقة تربط أحداث المشهد بخالتي نهائياً، لكن ما أن كتبته ورنت موسيقى الاغنية في أذني أصبح جزءاً من المشهد حتى أني عندما حذفته لعدة مرات شعرت أن الرواية بأكملها تسقط وشعرت بأن ما أفعله "خيانة" لشخصيات الرواية. كيف تدفعني ذكرى شخصية لأختيار أغنية وفرضها على مزاج الشخصيات؟ هل كان في الاغنية رمز أو دلالة من تجربتي الشخصية؟ لماذا ألحت علي هذه الاغنية مع كل ذكرياتها في لحظة كتابة هذا المشهد رغم عدم وجود أي علاقة ولو دلالية مع هذه الذكرى؟!!.. صراع طويل مع هذه الاغنية التي لا يتعدى ذكرها في الرواية إلا اسمها ولمرة واحدة فقط. أقنعت نفسي أخيراً بأني كاتبة ساذجة، وأن هذه ليست خيانة بل "سطوة" الخيال على عقلي. الخيال الذي يربط أحداث متناقضة تماماً مع بعضها ويحولها إلى حدث واحد. أنا كاتبة ساذجة جداً، لا بأس، المهم أن تظل الرواية واقفة ولو على قدمين من "عاج". الخيانة ضرورية أحياناً.

الرواية نت من صفحة الروائية ميادة خليل على الفيسبوك.

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم