هيثم حسين 

لماذا يلوذ بعض الروائيّين بعناوين روايات شهيرة ليحاكوها بطريقة ما ويوظّفوها أثناء اختيارهم عناوين رواياتهم؟ هل يكون ذلك نابعاً عن ثقة بالآخر أم أنّه لعبة روائيّة لبناء نجاح مأمول على أساس نجاح سابق منجز ومتحقّق؟ هل يعدّ قيداً يبقي الروائيّ الجديد سائراً في ظلّ الروائيّ المكرّس الناجح؟ وهل يستحضر نوعاً من الاستخلاف المضمَر الذي قد يوحي به للقرّاء ويحمل في طيّاته تضليلاً ما؟ هل يمكن وصف الأمر بأنّه تقليد، وكلّ تقليد في عالم الإبداع، كما يقال، انتحار، أم أنّه تجديد لذاك العمل بصيغة معاصرة، وسعي إلى الإبهار من زاوية جديدة..؟ يساهم العنوان، باعتباره عتبة رئيسة من عتبات النص الروائي، في استدراج القارئ إلى العمل، أو خلق مسافة بينه وبين العمل، وقد يكون جذّاباً لدرجة يدفع القارئ إلى ضرورة اقتنائه والانكباب على قراءته في أقرب فرصة. لا يخلو اختيار العنوان بدوره من جوانب تسويقية، ولا سيّما أنّ الكتاب يغدو بعد نشره في السوق بمرمى اللعبة التجارية، لذا فهناك أحكام لا مكتوبة ترسم مساره الافتراضيّ بين الكاتب والقارئ، وتقوده في أروقة دور النشر والمطابع ورفوف المكتبات إلى يدي القارئ. هناك الكثير من عناوين الروايات العالمية التي حقّقت نجاحاً لافتاً وأصبحت بمثابة علامات فارقة في الرواية العالمية، يتّكئ عليها أدباء معاصرون ولاحقون، يحاكونها بنوع من التوظيف والتطويع سواء كان زمانياً أو مكانياً، في رغبة مضمرة – معلنة لإحراز جزء من النجاح الذي حقّقته والاهتمام الذي حظيت به، والتأثير الذي خلّفته ولا يزال فاعلاً بطريقة ما. من الروايات التي تمّت محاكاة عنوانها مؤخّراً رواية البريطاني جورج أورويل الشهيرة “1984”، فقد اختار الجزائريان واسيني الأعرج وبوعلام صنصال لروايتيهما الجديدتين عنوانين مستنسخين من بعضهما بعضاً، “2084” مع إضافات، ولم يخلُ الأمر من تراشق بالاتّهامات بينهما في أسبقية اختيار العنوان، أو تثبيته. وقد سبق اختيارهما لهذا العنوان روائيون استلهموه وتلاعبوا بتفاصيل أو أجزاء منه، كحالة الياباني هاروكي موراكامي الذي اختار لروايته عنوان “1Q84”، وهناك أعمال سينمائية اختارت العنوان نفسه مع شيء من الإضافة والتجيير لينفتح على فضاءات درامية، لكنّ أساس البناء يبقى معتمداً على نجاح الرواية وشهرتها الكبيرة. هناك أيضاً عناوين جاذبة للأدباء والقرّاء أصبحت متكرّرة بصيغ شتّى، كبعض عناوين اليونانيّ نيكوس كازانتزاكيس، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز وغيرهما. لا يقتصر أمر المحاكاة على العنوان، بل يتعدّى إلى المضامين، تكون هناك مقابلة، أو معارضة ما بصيغة روائيّة لعوالم رواية أورويل، ويكون الاشتغال على المستقبل والمتغيرات التي يحملها، ينذر- يبشّر بها من ضمن الاشتغالات الحاضرة في الأعمال الجديدة التي تومئ من زاوية الندّية المستحضرة ولو في سياقات زمنية مختلفة. كاتب من سوريا

عن صحيفة العرب اللندنية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم