ما الذي يعنيه خبر وصول رواية مصوّرة للقائمة الطويلة لجائزة مان بوكر للرواية؟ هل تشكّل رواية “سابرينا” للكاتب الأميركي نك درانسو، عتبة أولى لمنعطف قد يتلاعب ببنية الفنّ الروائيّ عموما؟ هل تكون بمثابة مزحة روائية في سياق جائزة تحرّك الراكد وتسعى إلى تحريض الخيال والانفتاح على الفنون والأجناس الأخرى من بوّابة الرواية؟

لربّما يقول قائل إنّنا نشهد موت الرواية بصيغتها المألوفة والشائعة بشكل فعليّ، ويتمّ الإفساح للتجديد والتجريب والانطلاق في الخيال، واللعب في مضمار هذا الفنّ ومن خلال أدوات وفنّيات جديدة، كما قد يقول آخر إن الأمر لا يعدو كونه تنويعا فنّيا وحركة تسويقيّة لا غير، لكن في الحقيقة الأمر يدعو إلى المقاربة والدراسة والتساؤل.

لا أدري هل يكفي توصيف “الشكل المتغير للخيال” لتحطيم بنية الرواية والانقلاب على شكلها الذي تبلور بصيغته الحكائية، والخيال الذي تكون عدّته الكلمات، والسرد المعتمد على تصوير الصور والحضّ على تخيّلها، وإن كان كما قيل في تصدير الرواية إنّ “أسلوب الصور هو وجهة نظر العالم”، وإنّ درانسو استخدم الصور للتعبير عن المحجوب والمخبوء وغير المرئيّ في حياتنا، فهل هذا يعني عجز الكلمات والتعبير عن إدراك هذا وتحقيقه؟

لا يخفى أنّ الأجناس الأدبيّة متنوّعة وثريّة، ويمكن أن تتقاطع في آلياتها وبعض نقاط بنائها، لكن أن تكون هناك محاولة إحلال جنس محلّ آخر، بزعم التجريب والتجديد فإنّ الأمر يغدو خلطا للأجناس نفسها، لا كسرا للحدود في ما بينها، أو تحقيق نوع من التناغم والتكامل.

يمكن للرواية أن توظّف الصور والرسوم بصيغ معيّنة، لكن أن يتمّ استبدال الكلمة المكتوبة بالصورة والاكتفاء بالاختزال، فإنّ هذا ميدان مختلف، له عالمه وعشّاقه، لكن أن يقال إنّ هذه هي الصيغة التي يمكن أن تتحوّل إليها الرواية، فهذا ما يدخل في باب الاستخفاف بتاريخ الفنّ الروائيّ وتشتمل على تجاهل لبنية الرواية نفسها.

لا يتعلّق الأمر بالصور المتخيّلة التي يتمّ تقييدها برسم معيّن، ولا بالحكاية التي يتمّ نسفها وتجييرها لصالح الرسومات التي تقيّد الخيال ولا تمنحه الفرصة للتجنيح والتحليق، بل يتجاوزه إلى آلية التعبير، وما إن كانت الرواية كشكل وبنية أصبحت، أو ستصبح على هذه الصيغة.

للرواية المصوّرة ميدان مختلف، ويمكن تخصيص جوائز خاصة بهذا الفن، على غرار جوائز القصة والشعر، أما إدخالها في مضمار المنافسة مع الروايات بصيغتها المعروفة فأعتقد أنّه ظلم للفنّيين معا، وخلط وإقحام للفنون بعضها ببعض، كأن تدخل لوحة في منافسة مع مقطوعة موسيقية، أو قصّة قصيرة في منافسة مع فيلم وثائقي مستلّ عنه أو يعالج قضية قريبة منه، أو القضية نفسها بأدواته الفنّية المختلفة.

لعلّ من اللافت في اختيار رواية مصوّرة في قائمة المان بوكر الطويلة أنّها تصدم وتستفزّ وتحرّض خيال الروائيّين للتجنيح نحو المزيد من التخييل والانطلاق نحو عوالم أكثر رحابة، ويمكن اعتبار الأمر “مزحة” فنّيّة أكثر منها مرحلة جديدة في مسار الرواية الشائك، كما يمكن النظر إلى الشكل المتغيّر للخيال على أنّه شكل جديد متغيّر بدوره للمنافسة.

عن صحيفة العرب اللندنية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم