في البداية، ترددتُ في الكتابة عن الجدل الفايسبوكي حول فكرة روايتي "الذئاب لا تنسى" للينا هويان الحسن (منشورات الآداب) و"الموت عمل شاق" لخالد خليفة (منشورات أنطوان)، والتردد ناجم عن التوجس من أن أصبح طرفاً في سجال لا دخل لي فيه، ولا يهمني، وقد ألفته في فايسبوك وحتى في المقاهي والصحف، لكني عدت الى الكتابة حين لاحظت أن معنى الرواية يكمن في مكان آخر من الجدل.

البداية بدأت من تعليق نشرته لينا هويان الحسن في صفحتها الفايسبوكية، جاء فيه: "لا أقصد اتهام الزميل والروائي خالد خليفة باقتباس فكرة مقالتي: رحلة الشفروليه نحو دروب الأحزان" المنشورة بتاريخ 20-6-2014 في صحيفة الحياة"، والتي كانت بذرة لروايتي "الذئاب لا تنسى"، لكن يحق لي التساؤل عن هذا التشابة المبين والجلي والواضح بين الفكرة العامة لروايته "الموت عمل شاق"، ومقالتي المذكورة؟!". وأردفت في تعليق آخر قائلة إنها التقت خالد خليفة ذات مرة في القاهرة في آذار/مارس 2015 وأخبرته بفكرة روايتها...

ليس سهلاً توجيه الاتهام حول كتاب. فهو أشبه بمقتلة. رد خليفة أنه بدأ كتابة روايته العام 2013 بعد خروجه من المستشفى... واشتعلت التعليقات من مساند لهذا ومساند لتلك... بدا خليفة مربكاً في رده، كأنه يحاول ان يقدم براءة ذمة لمشروعه، مستنداً الى انه بدأ الرواية العام 2013، كان يمكنه الرد بإتقان والحديث عن ماهية الرواية وفنها، من دون اللجوء إلى القول أن لديه شهوداً. ومن حقه الدفاع عن نفسه بسهولة، باعتبار أن الرواية عمارة، وليست مجرد فكرة شفهية وليست مجرد مقال يكتب في جريدة. هي عمارة ضخمة من السرد والأحداث والأفكار والأسلوب والتقنية والمواقف. وحتى إن كان قد سمع الفكرة من لينا هويان، لكن الكتابة عنها بالتأكيد ستكون بطريقة مختلفة. ومن حق لينا هويان أن تتوجس وأن تدافع عن فكرة كتبتها حتى لا تتهم لاحقاً بالاقتناص باعتبار أن خليفة سبقها في إصدار روايته، وأن تتوجس أكثر لأن الآراء لا تنصف ويغلب عليها منطق الصداقات.

وبين هذا وذاك، يمكننا القول أنه في الـ"فايسبوك"، لا تفيد دفاعات هذا القارئ المنحاز إلى لينا هويان، أو ذلك الكاتب المنحاز إلى خالد خليفة. ففي لحظة المنافسة والغيرة تصبح المعمعة هي السائدة والأفكار تغدو أقرب الى البلبلة، وننسى الرواية لمصلحة النميمة.

ومن الصعب الحكم على روايتين تتناولان الفكرة نفسها من خلال تعليق فايسبوكي. الحكم عليهما يأتي من خلال القراءة النقدية والمقارنة الدقيقة. مع العلم أن الأفكار مطروحة في الشارع، وكان الروائي جبور الدويهي صائباً حين كتب في نقده لرواية خالد خليفة: "لا تنسوا ان ويليام فولكنر قبل سنوات طويلة كتب روايته "فيما أنازع" While I Lie Dying ليروي وصية أم لأولادها بدفنها في مزرعة بعيدة، فيحمّلون الجثة في عربة ويجتازون كل انواع المخاطر للوصول، فالفكرة موجودة والمهم المعالجة والكتابة". وهناك عشرات الروايات التي تحمل الفكرة نفسها. لنتذكر عدد الروايات التي كان محورها مبنى سكني وفيه أبطال من "بناية ماتيلد" لحسن داوود، الى "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، إلى "طيور الهوليداي إن" لربيع جابر، و"قصر البرغوث" لآليف شافاق...

و"مشكلة" خالد خليفة ولينا هويان تكررت أكثر من مرة في الثقافة العربية، لعل أبرزها حديثاً اتهام الصحافية منال عبد الأحد، الروائية جنى فواز الحسن، بأنها اقتبست روايتها "طابق 99" من مقال لها نشر في "شباب السفير"، مع التذكير بأن فكرة رواية الحسن تقليدية، وليست ملكاً لأي صحافي أو صحافية، وهي موجودة في الكثير من الروايات والمسرحيات اللبنانية (شاب فلسطيني ناجٍ من مجزرة صبرا وشاتيلا، يقع في حب صبية لبنانية من عائلة مسيحية يمينية). وسبق للعراقية ليلى قصراني أن اتهمت مواطنها، الروائي والشاعر سنان أنطون، باقتباس جُمل روايتها "سهدوثا" في روايته "وحدها شجرة الرمان". وفي العالم لا يزال الحديث عن أن أصل رواية "لوليتا" لفلاديمير ناباكوف هي قصة قصيرة لأحد الكتاب المغمورين، لكن هذا لا يغير في المعادلة أي شيء.

وعلى هامش الحديث عن الجدل الفايسبوكي بين لينا وخالد، وانطلاقاً منه، أحسب ان أبرز مشكلاتنا اليوم هي ثقافة العلاقات العامة والشِّلَل. هناك الكثير من الروايات المهمّة بقيت مهمشة بسبب طبيعة اصحابها وغياب النقد الجدي. وفي المقابل، هناك الكثير من الروايات التي حظيت بجوائز لا تستحقها.

عن صحيفة المدن

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم