"للقاهرة طعمٌ آخر في غياب هاني درويش، الكاتب المصري الذي رحل منذ قرابة سنتين، إثر أزمة قلبية مفاجئة، إضافة إلى باقي أصدقائه الراحلين؛ إبراهيم أصلان وخيري شلبي وإدوار الخراط وعفيفي مطر". رغم تلك البداية الدرامية، إلى حدّ ما، التي استهلّ بها لقاءً أدبياً، أمس، في "دار ميريت" في القاهرة بحضور كتّاب وروائيين؛ إلاّ أنها لم تمنع الكاتب اللبناني حسن داود، الفائز مؤخّراً بـ "جائزة نجيب محفوظ للرواية"، من إضفاء جوّ مرح على اللقاء الذي خُصّص لمناقشة مجمل أعماله، إضافة إلى عمله الفائز بالجائزة "لا طريق إلى الجنة". الروائي اللبناني علّق، لاحقاً، على وفاة إدوار الخراط، قائلاً: "كيف يستحقّ الموت إنسان ما لأنه عاش؟!"، مستعيناً ببيت للمتنبّي: "لو تبيّنتَ الزمان وصرفهُ/ تبيّنتَ أنّ الموت ضربٌ من القتل". عاد داود إلى بدايته المبكرة مع الكتابة والنشر؛ قائلاً إنه أصدر روايته الأولى "بناية ماتيلد" عام 1983، التي استقبلت وقتها بحفاوة نقدية ومتابعات كثيرة، وصدرت لها طبعة في القاهرة، ضمن سلسلة كان يشرف عليها الروائي الراحل إبراهيم أصلان. " من جهته، قال الروائي اللبناني، محمد أبي سمرا، إن الرواية "أرست طريقة جديدة في الكتابة الروائية في لبنان"، مضيفاً: "منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، تتّسم كتابة داود باشتغالها على دواخل شخصياته الروائية وحوارها مع نفسها بأكثر من اعتماد كتابته على أحداث متصاعدة. وبالتالي، تظهر شخصياته مهجوسة بأحداث لا تجري إلا في خيالاتها اليقظة، أو تتمنّى لو تحدث". أمّا الكاتب والشاعر وائل عبد الفتاح، فأشار إلى أن الموقع الذي تشغله كتابة الروائي اللبناني هو "موقع الخديعة، وهو الأمر الذي يفسّر حضور الفكاهة في ما يقدّمه من مآسٍ، على المستوى الشخصي، أو مستوى شخصياته الروائية". عن لغته السردية، يقول الروائي اللبناني إنه لم يقرّر يوماً الاختيار بين العديد من النبرات اللغوية، معتبراً أنها واحدة دائماً، لكنه يُدخل عليها تعديلات جزئية حسب عالم كل رواية وطبيعة شخصياتها، مضيفاً: "ما يمنح لغتي طابعها الخاص هو سمتُها الشعري. أكتب وأنا لا أعرف ماذا ستكون جملتي التالية". أبي سمرا قال إن المقصود بالشعرية في لغة داود غير لغة الشعر الذي يعرفه الجميع: "إنها تأتي من الهندسة البنائية لشخصياته التي تقيم مونولوغها الذاتي في وجود الآخرين وعَبرهم". في هذا السياق، اعتبر الكاتب سيد محمود أن لغة الروائي اللبناني جزء من طاقة لاستجلاب الذكرى أكثر منها تطوير فعل أو حدث، كما أنها تحمل طابع الاستبطان؛ ما يمنحها بعدها الشعري". ما علاقة روايته الفائزة "لا طريق إلى الجنة"- التي تحكي عن ضيق أحد المرجعيات الدينية بحياته المحافظة التي رُسمت له سلفاً، وانسلاخه عنها- براهن المنطقة العربية التي تعجّ بأصولية آخذة في الاتساع والتمدّد؟ يجيب داود قائلاً إنه متى ما تحول العمل الروائي إلى موضوع عام، فإنه يفقد صلته الشخصية به، معلّلا ذلك بكون الروائي له طريقته الخاصّة في تفسير الأحداث بمستوياتها الشعورية والحسية فضلاً عن السياسية، وأن ما يثيره بالأساس هو هذا التحوّل غير المنتظر للزمن. يضيف إنه، مع كثيرين غيره، كان لديه تصوّر بانحسار الدين من المجال العام والخاص بداية الثمانينيات، "لكن ما حدث هو العكس، فبدا أن الزمن يُكذّب ما وعد به أو ما أنذر، بدا أنه يُكذّب نفسه". وعن توصيفه بكاتب مكان، قال داود إنه فطن إلى ذلك عبر إشارات الآخرين إليه وكتاباتهم عنه، مؤكّداً أنه تفاجأ، وقت صدور أولى رواياته، بتعاطي معماريين معها واهتمامهم بها، وترجمة جزء منها في كتاب معماري صدر في فرنسا، واهتمام بعض طلّاب كليات الهندسة بالرواية واشتغالهم عليها في رسائلهم الجامعية، مضيفاً: "هذه الحساسية بالمكان تبدو كأنها تسكن لاوعي كاتبها، فتخرج على الورق من غير إدراك ذاتي". ورغم أنه كتب عن ضيعته أكثر من مرّة، يقول الروائي اللبناني إنه أضحى يصدّق أن الرواية ملحمة المدينة وليست كتابةً عن القرية، وأن المدينة هي ما يبقى في الذاكرة. عن صحيفة العربي الجديد

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم