يتم تشبيه الكتب بالزوّادة التي يحملها المسافر معه في رحلته، تمنحه شعورا بالأمان والراحة، وتؤنسه في وحدته، يتزوّد بها مشبعا حاجته الروحية للارتواء. كما يوصف الكتاب بأنّه خير زاد يتزوّد به المسافر، يكون قوت رحلته، يمضي برفقته مختلف الأوقات، بحيث لا يبقي لديه أيّ مجال للشعور بالوحشة أو الملل.

توصف الكتب كذلك بأنّها وجبات، فهناك وجبات خفيفة، وأخرى سريعة، وثالثة دسمة، وبمحاولة مقاربة تشبيه الوجبات على الكتب يمكن الاستئناس برأي لبابلو نيرودا في حواره مع غابرييل غارسيا ماركيز في كتاب “دردشة معلنة” وصف فيه الرواية بأنّها “الوجبة الدسمة في الكتابة، فهي ما يقبل عليه الناس بكثرة”.

وحين سؤال ماركيز له “إذا كانت الرواية هي الوجبة الدّسمة كما تقول، فماذا يكون الشعر إذا؟”، ردّ نيرودا بأنّ “الشعر شيء مختلف تماما، هو فعل رائع وجميل، مزيج من الحب والأفعال الناتجة عنه، هو شيء أكثر خصوصية ومحدوديّة”. كما أضاف “الحقيقة أن قراءة الشعر هي بمثابة عملية تواصل سرية ومتبادلة بين روح الشاعر والشخص الذي يقرأ، وهذا التواصل هو حقيقي ويستشعر ككهرباء تعبر الجسد”.

يمكن التساؤل هنا: هل إقبال الناس هنا هو الحكم والدافع إلى تصدير التشبيه؟ ألا يمكن أن تساهم وسائل الدعاية والتسويق في دفع الناس إلى الإقبال على عمل بعينه؟

تتمتّع الرواية بقدرتها على مقاربة مختلف المواضيع والقضايا وعرضها وتحليلها، كما يمكن أن تقترب من التحقيق الاستقصائي، أو البحث الاجتماعي أو التاريخي، لكن هذا لا يجعل منها وجبة دسمة، فقد تتم مقاربة مواضيع وقضايا بطريقة سطحية أو تسطيحية، لا يمكن لحجم الصفحات أن تسبغ عليها صفة الدسامة والثراء، بل قد تتحوّل إلى النقيض وتغدو عبئا على الرواية والقارئ معا.

أحيانا هناك قصائد شعريّة تكون أكثر دسامة من روايات كاملة، وذلك من خلال اشتغالها على التكثيف وتوظيف الرموز والاستعارات والصور، ومن خلال براعة الشاعر في نسج فضاءاتها، كقصيدة “لاعب النرد” للراحل محمود درويش التي جاءت سيرة مكثّفة مروية في مشاهد لافتة وصور مميزة يمكن لكلّ مقطع فيها أن يكون مفتاحا لفصل روائي.

لا يتعلّق الأمر بتعريف مدرسي للشعر أو الرواية، بل يتعدّى ذلك إلى رؤية المبدع إلى الفنون، وكيفية تعاطيه معها، وإلى أيّ حدّ يمكن أن تروي الرغبة في تذوّق الجماليات الأدبيّة وإشعار قارئها بالغنى واللذّة والفائدة.. وقد تحمل عبارة “خال من الدسم” بعض السخرية المبطّنة الممزوجة بالخيبة حين توصيف عمل أدبي ما بها، وهي كفيلة بأن تصمه وتدمغه بدمغة الخلوّ من الإبداع المفترض، والخطورة تكون حين إلقائها جزافا، أو بناء على أحكام مسبقة جاهزة لا تمت إلى الأدب بصلة. عن صحيفة العرب اللندنية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم