الكاتب الذي يقبل بمهادنة السلطات المستبدّة، سواء كانت دينيّة أو سياسيّة، يتحوّل من مبدع إلى أداة سلطويّة، يتجاوز الرفض الذي يحاصَر به، إلى فرض يفقده قيمته الإبداعيّة. لا يكاد القارئ يعثر على كاتب لم يقابَل بالرفض في مسيرته الإبداعيّة، وهناك مَن يؤثّر الرفض تأثيرا كبيرا في حياتهم، فيبعدهم عن عالم الكتابة، ويشعرهم أنّهم فاشلون، لا موطئ لكلماتهم في عالم النشر والتسويق، في الوقت الذي يتشبّث آخرون بحلمهم، ويجهدون لإيصال كلمتهم وصوتهم، ويكون الرفض بالنسبة إليهم عتبة لما بعده، أو بوّابة لا بدّ من عبورها إلى رحابة عالم الأدب. قوبلت أعمال كثيرة بالرفض من قبل ناشرين ومؤسسات ثقافية، لكن أصحابها لم يقنطوا من الأمل في نشرها، ولا ارتكنوا إلى اليأس، بل كان الألم النابع عن الرفض دافعا أقوى لهم، لاقتناعهم بما أبدعوه، والدليل أنّ عددا من تلك الأعمال، بعد صدورها، أصبحت علامات فارقة في تاريخ الأدب.

يعتقد الروائيّ الأميركيّ والتر موزلي أن الرفض قد يكون أسوأ لحظة يمرّ بها الكاتب وقد يتكرّر مرارا خلال مسيرته الكتابية. ويعتبر أنه عندما يستمرّ الكاتب في كتابة ما يرغب هو في كتابته سيجد الكثير من الرفض. سيقال له “لن نطبع هذا الكتاب لأنه يتضمن الكثير من الجنس″، أو “لن نطبع هذا الكتاب الواقعيّ.. من تظنّ نفسك لتتحدّث في هذا المجال”.

ويجد أنّ الرفض دائما مؤلم، لكنّ الكاتب سيتعلّم الاستمتاع به. يصفه بأنّه جزء من حياة عجائبيّة، وسيدرك أنّه لم يكن ليحصل على هذه الحياة لولا الألم. سيتمكّن الألم من إغوائه وسيستمتع به. لاحقا أيضا، سيحبّ الاجتماع مع رفاقه الكتّاب ليتحدّثوا عن أسوأ رفض واجههم.

إذا ما تمّ تقبّل الرفض كحالة طبيعيّة في عالم الكتابة وسوق النشر، ولا سيّما أنّ هناك كثيرا من الاعتبارات تساهم في قبول عمل ونشره، ربّما لا تأتي سوية العمل الإبداعية بالدرجة الأولى، ولا جانب التميّز الأدبي والتجريبي والفني فيه، بقدر ما تتقدّم أمور أخرى، وترفع العمل، أو تصدّره وتحمله إلى ضفّة النشر وتوصله إلى القارئ. كيف يمكن تقبّل الفرض في العملية الكتابية والإبداعيّة؟ وهل يمكن اعتباره أمرا طبيعيا في عالم الكتابة والنشر؟

يتجلّى الفرض كنقيض شرس لجانب الرفض، وهو يتمثّل في سلطة ما تقوم بفرض نتاجات أدبائها، أو كتّابها، في مسعى منها لتقديمهم على أنّهم الأفضل، ويكون في التكرار، وما يصاحبه من تصدير إعلاميّ، وتسويق دعائيّ، تمثيلا لتسييد أفكار وتوجّهات ورؤى ومرامي الفارض نفسه، ولولا أن يقبل الكاتب بتلك الشروط سيظلّ على عتبة الرفض، وهنا يتمّ تدجينه ليدخل الكوخ مطأطئ الرأس، منتظرا ما يُطلب منه وما يفرض عليه، ليتمّ فرضه على الآخرين عبره.

يتحوّل الكاتب الذي يقبل بمهادنة السلطات المستبدّة، سواء كانت دينيّة أو سياسيّة، من مبدع إلى أداة سلطويّة، يتجاوز الرفض الذي يحاصَر به، إلى فرض يفقده قيمته الإبداعيّة، ويبعث على الشكّ في كلّ ما يكتبه.

كاتب من سوريا

عن صحيفة العرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم