الأدب خيال أو لايكون فهو استباق للأحداث وليس سرداً أو إعادة صياغة للواقع المعيش وللأحداث التاريخية التى تمر بها الإنسانية فقط بلمسة فنية. توفيق بن بريك واحد من هؤلاء الكتاب الذين تميزوا بقراءة مستقبلية للواقع العربي، والتونسي بصفة خاصة، لما يحمله بداخله من صورة الصحفي الناقد أكثر منه من صفة الأديب. وهو السياق الذي لم يخرج عنه في روايته "اللصّ" الصادرة باللغة الفرنسية والمترجمة للعربية بقلم وليد أحمد الفرشيشي. حين نغوص أكثر في شخصية الكاتب سنجده إنساناً فريداً من نوعه يثير ضجة من حوله كلما تحدث أو ألف كتاباً جديداً، إذ تتميز كتاباته بالتمرد والمعارضة للأنظمة السياسية. القارئ لمؤلفات بن بريك سيصاب بحيرة كبيرة ويعجز على تصنيفها إلى أي جنس أدبي محدد، حيث لم تشذ رواية "اللصّ" عن هذه القاعدة التى لا يمكن أن نضعها في خانة سيرة ذاتية من جهة ولا من جنس الرواية بشكلها التقليدي من جهة أخرى. في هذه الرواية تقمص بن بريك شخصية صحفي ملقب ب (ت.ب.ب) ولو تمعنا في التسمية لوجدنها تصغيراً لإسمه توفيق بن بريك، مشكلة هذا الصحفي أنه يعيش بدولة ذات نظام استبدادي بوليسي غارق في طمس الحريات ومحاربة الأقلام الحرة، كما عرف رئيسها باللصوصية. أراد بن بريك أن يصنع من نفسه شخصية لص وقاطع طرق لكنه لا يسرق الأموال أو البنوك بل يسرق الكلمات والحروف والكتب ومحتوياتها من أجل كتابة مؤلفاته بدون نذرة اجتهاد منه. لحبك قصته دخل الكاتب في حوار غير مباشر مع ابنه علي الذي يسرد عليه مشاغله الحياتية والصعوبات والعراقيل والانتهاكات التى يتعرض لها من زبانية النظام. في هذه الرواية كشف الكاتب بطريقة استعراضية عن شخصية ثقافية مميزة من خلال ذكره تلعدد من المؤلفات والكتب التى قرأها (زوربا اليوناني، مدام بوفاري.....) كما أظهر ولعه الشديد بالسينما والمسرح وتقريبا جميع الفنون. وفي الأخير جدير بالذكر أنّ هذه الرواية كانت من تقديم الكاتب الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد و الذي قال عن توفيق بن بريك : " تتطاير القوارير وتمطرالكلمات. آه كم هو بارع في هذه المنازلة! بمعنى بقدر معاقرة توفيق للخمر بقدر إبداعه في الكتابة".

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم