يعطينا العنوان الفرعي على غلاف رواية “طقس” لأمير تاج السر، الصادرة عن دار بلومزبري- مؤسسة قطر للنشر 2015، مفتاحا أوليّا لفهم النص “عندما تخرج الشخصيات من صفحات الرواية”. أي أنّنا سندخل الرواية ونحن على معرفة مسبقة بأنّ الشخصيات ستخرج من صفحاتها. ليتبدّى لنا تساؤل مبدئي، لطالما نقل الأدبُ الواقعَ بمبرراته الجاهزة وعمل على إخراج ذلك الواقع، وفق سرد إبداعي. وبالتالي، كيف لرواية تقلب حقيقة الأدب تلك رأسا على عقب، أن تقيم علاقتها الوطيدة مع القارئ؟ تندرج الرواية ضمن ما يسمى بكتابة الكوابيس، وبالتالي قُيّدَت لها صناعة منطقها الخاص، ما يؤكد على ذلك الأسطر الثلاثة الأخيرة، والتي حددت نهاية مباغتة بشكل جنوني، وأعادت تشكيل النص بكامل شخوصه في ذهن القارئ، بعدما تمّ تحضيره بتقديم عدد من الشخصيات غريبة الأطوار. عرضها صاحب “قلم زينب” بأسلوب ساخر يقترب من الكوميديا السوداء، حيث السحر يواري الفطنة، والفطنة تنطوي على قدر كبير من الاحتيال البائس.

تبحث الرواية في التأثير المتبادل بين الواقع والافتراضي، وإمكانية نشوء نص مشابه لآخر مكتوب في الواقع. إذ يجيد الروائي، بحدسهِ الفضولي، التقاط المألوف وغير المألوف وجعل السرد يتنوع للوصول إلى تساؤل مفتوح بقي دون إجابة “هل بالإمكان حدوث نهاية واحدة للواقع والافتراضي معا؟” ولا سيما أنّ بطل الرواية ذاته قد هجر مهنة تدريس الرياضيات إلى كتابة الروايات، وأشهرها تلك التي تشكّل موضوع رواية “طقس”، هي رواية “أمينات الجوع” والتي أعاد أمير تاج السر كتابتها داخل روايته الأصل، أي بمعنى آخر: بتنا نقرأ رواية داخل أخرى، وراح الكاتب يستخدم الراوي كي يقدم بعض أفكاره في الكتابة الروائية. بحيث يجد في الحي العشوائي “وادي الحكمة” واحدا من كنوز الكتابة، ويفكر أن يقيم عشّا من الصفيح في الحي ليكتب عن الحي كلّه.

لا يبخل علينا صانع الحكايات الرفيع أمير تاج السر بأحد منابع حكاياته، من أولئك الذين يمتلكون قدرة فائقة على السرد، لكنهم لا يمتلكون موهبة تطويع اللغة. مع إشارة الكاتب على لسان الراوي إلى أنّ “العالم العربي يمتلئ بكلّ ما يحتاجه الروائي”.

يعتمد الراوي، كاتب أمنيات الجوع، على “الإحساس” في اختيار أسماء شخصياته. رغم ذلك فقد وقع في ورطة جعلته يفكر في سحب نسخ روايته من السوق، تتمثل تلك الورطة في كون اسم الشخصية الرئيسية في روايته نيشان حمزة نيشان هي شخصية واقعية وبحياة واقعية تشبه تماما تلك المكتوبة في “أمنيات الجوع”. ما جعل الراوي يستغرق الصفحات تلو الصفحات في محاولة فك لغز تشابه الأسماء والمصائر، خصوصا أنّ نيشان حمزة نيشان مهدد بالموت بالسرطان في حال صدقت الرواية.

يساعد الراوي في البحث عن حل للغز صديقه الظل، وتنشأ قصة عاطفية بين الراوي وبنت الظل ويسميها الراوي “ظل الظل” قبل أن تنتهي قصتهما على نحو مأساوي. بمحاولة الراوي كشف اللغز ذاك قبل أن يغيب نيشان حمزة نيشان بشكل غامض، يعرض الكاتب عددا كبيرا من الشخصيات التي تشكل ديكورا في عالمه الروائي الخاص والذي لا يشبه أحدا سواه.

يذكر أمير تاج السر، معايير الكتابة وهي موهبة الكاتب ومعرفته وخبرته. ويرفع من حقيقة الكتابة كفعل مقدم على الحياة الواقعية. بذكره الترتيب التالي “النزوات ليست في أثناء الكتابة فقط، ولكنها تحدث في الحياة الواقعية أيضا”.

يحضر في الرواية، قلق الروائي، وخوفه على مصائر الشخصيات التي يبتكرها في الورق ثم يعتقد بأنّه يواجهها في الواقع. إن كان أمير تاج السر قد جعل الشخصية تخرج بالفعل من الورق.

فذلك، إشارة أراد التلويح بها بشكل صارخ إلى أنّ الأدب يشكل حياة الكاتب الفعلية والأثيرة. حتى عندما سأل الراوي عن شخصيته التي خرجت من الصفحات ثمّ تاهت، فقد كان “الضمير الذي يسأل لا الروائي”. إن هذا التنحي مثير للروائي، الذي قد يجد في أيّ شيء مشروع رواية ما، مثير بالفعل هذا التنحي لصالح الضمير الإنساني للكاتب. عن صحيفة العرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم