ما سرّ الكتابة الجيّدة..؟ سؤال أشبه باللغز، عميق برغم بساطته المضلّلة. يوحي للمرء أنّه حين سيدلي بجواب عليه، فإنّه يعلم السرّ، ويعلنه للآخرين، أو يكشفه كمن يكشف عن كنز مخبوء. وقد يغري المُجيب بأنّه يمتلك سرّاً ما وعليه البوح به، وكشفه للعلن. أحاول أن أجتهد كغيري ممّن يدلي بدلوه مفترضاً الانطلاق من زعم أنّ تراكم القراءات وممارسة الكتابة لسنوات، تبني ذائقة المرء الجماليّة، والأدبيّة، ويختار لنفسه بناء عليها ما يراه كتابة جيّدة، وما يصنّفه ككتابة لا توافق مزاجه أو تصوّراته، أو ربّما رغباته أحياناً. تظلّ الكتابة الجيّدة جبل الجليد المختفي في عالم الأدب. أفترض أنّها في جانب منها تلك العميقة التي تغوص في الأعماق، ولا تكتفي بالقشور، وهنا يتضافر المبنى والمعنى لينتجا هذا المزيج الأدبيّ، ويبلورا صورة من صور السرّ، أو سبيلاً من السبل المُودية إليه. أفترض أنّ السرّ يقبع وراء القراءة، بالتزامن مع المثابرة على الكتابة، فكلّ جانب يُمرئي الآخر، ويقوّيه، وتنجلي بدائع الصنعة معهما للمجرّب المتمعّن في تجربتَيْ القراءة والكتابة اللتين يفترض بهما ألّا تتوقّفا عند حدّ. هناك مثل يقول: "الممارس يغلب الفارس"، أكرّره كثيراً، وهو ينطبق على الكتابة، كأيّة تجربة حياتيّة أخرى. فالمواظبة على الممارسة تجعل اللغة سهلة الانقياد للكاتب، وتمكّنه من امتلاك أدواته، وتمهّد له الطريق إلى ذاته والآخرين أكثر فأكثر. هناك قاعدة في الفلسفة تؤكّد على أنّ الدرس الأوّل في الفكر يبتدئ بدرس اللغة، مَن فاته درس اللغة فاته الفكر والتفكير. وهذه قاعدة رئيسة في طريق البحث ومحاولة الوصول إلى الكتابة الجيدة. لأنّ الكاتب الذي لا يتعامل مع اللغة بعشق وحساسيّة، لن تكون اللغة طيّعة معه، ستضلّله، وتخادعه. يكون حينذاك سوء التعبير صدى لسوء التدبير وسوء التفكير معاً. في الحقيقة، لا أدري هل يمكن تصديق كاتب يبوح بسرّ الكتابة الجيّدة، وهو الباحث دوماً عمّا يحسّن كتابته من أساليب وأسرار..! سرّ الكتابة الجيّدة..! لو عرفت جواب هذا اللغز تماماً، لربّما تردّدت قبل أن أخبر أحداً به، لا من باب الأنانيّة، بل من باب الاستلذاذ بالسرّ وبهجته وسحره. الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم