يحدث أحيانأ أن نقرأ عملاً روائياً لا نتمنى أن نصل إلى نهايته سريعاً، وهذه المشاعر تصيب القارئ كما الكاتب، حينما يخلق شخصيات وينحتها كما يعمل نحات مبدع وهو يطرق بإزميله على الرخام، يعيش معها وربما يتماهى بعض الأحيان مع شخصية أو أكثر، أغلبنا مرّ بمرحلة القراءات الأولى التى جسدت له بطولات على الورق لكنها اخترقته فتمثلها لبعض الوقت .. هذا ماحدث وأنا أقرأ رواية "النبيذة"* للروائية العراقية إنعام كجه جي، عمل يمتح من تاريخ العراق لما يقارب الثمانين عاما يماثل عمر تاج الملوك أو تاجي وأخيراً مدام شامبيون. ثلاثة أسماء لفتاة حملتهم امرأة من أصل ايراني عاشت عراقية ثم هاجرت واصبحت فرنسية تحمل اسم زوجها العسكري الفرنسي الذي أرادها جاسوسة بعد أن نشأت على حب اللغة العربية، والصحافة، ذلك الشغف العظيم فتحت من خلاله ذاكرة على تاريخ وأبواب ملوك وأمراء ورؤوساء ومناضلين من الوصي على عرش الراق عبد الإله إلى نوري السعيد وأحمد بن بلة، امرأة متعددة الأسماء والوجوه لكنها بروح واحدة عاشقة. التاريخ حينما يشتبك بالخيال في عمل سردي، مجسداً شخصيات قرأنا عنها ثم غادرت إلى عمق الذاكرة، فإذا بعمل إبداعي سردي، يدعوك بإلحاح للقراءة مجدداً حولها، ربما من باب التلصص الجميل، لاكتشاف ما إذا اكانت الشخصيات المفترضة من الخيال أم لها جذور في الواقع . بعد عدة صفحات من رواية "النبيذة"، ذهبت أبحث عن مقطوعة موريس رافيل الموسيقية، وعن تاريخ الوصي على العرش، بل لا أخفي سراً أنني سألت غوغول عن مجلة الرحاب وصاحبتها ، أغرتني الشخصية ووقعت في حبائل السرد، وتمنيت أن تكون تاج الملوك امرأة ذات تاريخ مدون، أعترف اني عدت خالية الوفاض إلا من بعض شذرات منثورة هنا وهناك .. وعلى مدار مايقارب 325 صفحة تصحبنا إنعام كجه جي بين عواصم عديدة من خلال ثلاث شخصيات وهم تاج الملوك ومنصور بادي والموسيقية العراقية الشابة وديان الملاح في رحلة ممتعة. في حين تحكي الشخصية الرئيسة عن عراق الأربعينيات، تتولى وديان الملاح برسم صورة العراق الثمنينيات أيام نظام صدام حسين، دون أن تشير إلى الاسم بشكل صريح، تحكي عذاباتها واسباب فقدانه االسمع، والمصادفة التى جعلتها الابنة والصديقة لتاج الملوك والمحرض الاساس على رواية الحكاية، وصلة الوصل مع حبيبها السابق منصور بادي الفلسطيني الذي هاجر إلى فنزويلا بعد أن ارتبط معها بقصة حب عندما عملا في إذاعة كراتشي، منصور بادي ايضا أصبح مستشارا للرئيس تشافيز وترتب وديان لقاء بين الحبيبين.. لكننا لاندري هل حدث اللقاء أم بقي في أمنية أرادت تاجي أن تتحقق؟ الرواية التى افتتح السرد فيها فضاء المشفى الذي جمع تاج الملوك وفي غرفة قريبة منها الرئيس السابق أحمد بن بله، كان البؤرة الحقيقية لتفجر المشهد السردي برمته، حين تبوح بسرها المخبوء في وثائق تحت سريرها لوديان قائلة إنها أنقذت حياته في يوم ما لأنها تراجعت عن إتمام مهمة اغتياله في القاهرة. وهكذا تدعوك الروائية لاستنفار كل ذاكرتك أو الذهاب الى البحث والتنقيب حول تل الشخصية المعاصرة، لربما وجدت أثراً يهديك إلى حقيقة البطلة تاج الملوك.. سوف تتعب من البحث طويلا لتعود أدراجك وتتابع السرد الشيق، مؤمنا بأن لخيال الكاتبة الحق في الاتكاء على أحداث من التاريخ طالما كانت الرواية تحمل كل هذه المتعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ • الرواية صادرة عن دار الجديد 325 صفحة من القطع المتوسط . • كاتبة وروائي ليبية مقيمة في هولندا. الرواية نت – خاصّ

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم