بينما تنتظر مريم قدوم جثمان أخيها في قرية "جبل الزيتون" في الساحل السوري، يتقدّم رجل المخابرات ليخبرها أنّ أخاها خائن وليس شهيدا.

 هكذا تبدأ أحداث رواية "خيانات لم يرتكبها أحد" للكاتب والروائي محمد ديبو، والصادرة أخيرا (آذار ٢٠٢٥) عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت. وهذا الحدث/ البداية يدفع مريم للبحث ومعرفة أسباب انتقال أخيها من ضفة الشهادة إلى ضفة الخيانة، في رحلة ستغيّر مجرى حياتها وتقودها نحو محطات وأمكنة ومواقع كانت ترفضها كليا في السابق، وهي الطبيبة المؤيّدة لنظام الدكتاتور قبل أن تقودها التحوّلات نحو موقع آخر.

تمتدّ أحداث الرواية على امتداد مئة عام من تاريخ سورية الحديث، مع عودة جزئية إلى الماضي البعيد الذي يسلّط الضوء على ما تعرّض له العلويون عبر التاريخ من مجازر وتهجير، تركت آثارها بوضوح في وعيهم وسلوكهم وخوفهم الدفين الذي سيعرف نظام الأسد كيف يستغلّه لصالح البقاء في السلطة، مستغلًا كلّ الأدوات التي تسمح له بذلك، بما في ذلك الدين العلوي ذي الطابق السري.

ثمّة ثلاث مسارات في الراوية، تتشابك مع بعضها البعض من خلال أقدار الشخصيات. الأوّل، يعرض تاريخ أسرة "مريم"، بدءًا من الجد الذي كان رجل دين وقاتل في صفوف ثورة الشيخ صالح العلي ضدّ الفرنسيين، إلى أبنائه الثلاثة (أبيها وهو مناضل حزبي عتيق في صفوف حزب البعث في بدايات تأسيسه، عمّها سجين سياسي سابق ومعارض للنظام السوري السابق، وعمها الثاني ضابط أمن يلاحق عمّها الأول ويراقب أبيها). خلال رحلة بحثها تحاول مريم معرفة أسباب الجفاء بين أبيها وعمّيها، والذين لا يتحدثون مع بعضهم البعض، بسبب خلافات سياسية وشخصية حصلت في الماضي ولا تزال تحكم حاضرهم، وتزيدها المواقف المتباينة من الثورة السورية تأجّجًا.

المسار الثاني، يسلّط الضوء على مسار البلد بين ثمانيات القرن الماضي، عندما حدثت انتفاضة مسلحة قادها الإسلاميون ضد النظام وبين الثورة السورية عام ٢٠١١، وذلك من خلال تقاطع وانفصال مسار عائلتين، إحداهما عائلة "مريم"، حيث كان أبيها مسؤولًا حزبيًا في مدينة حماة في سبعينات وثمانيات القرن الماضي، وبين عائلة صديقه ابن مدينة حماة "خالد طيفور"، حيث تعرض الرواية تاريخ الصداقة التي تعود إلى زمن أسبق حين كان الاثنان يناضلان معًا ضدّ حكم الإقطاع منذ خمسينات القرن الماضي. في أجواء هذه الصداقة تعيش "مريم" طفولتها مع أخيها الراحل (حمزة) برفقة أبناء خالد (عائشة وبكر)، لتنشأ بينها وبكر علاقة حب طفولية بريئة، تنكسر لاحقا بسبب اضطرارها وعائلتها للهرب من مدينة حماة بعد اقتراب الموت منهم، ثمانيات القرن الماضي.

بينما يسلّط المسار الثالث الضوء على رحلة مريم الطويلة لمعرفة سرّ مقتل أخيها، حيث تقودها رحلة البحث إلى التعرّف على زملاء أخيها في المليشيات لتكتشف كلّ ما يرتكبه هؤلاء من جرائم، ثم الاقتراب من عائلة عمها المعارض، لتبدأ أحداث الرواية بالتشابك في حبكة محكمة لرواية تتناسل فيها الحكايات، حكاية تلو حكاية، ضمن سياق روائي تقوم مادته الأساس على قراءة مصير الشخصيات ضمن فضاء شبكي لا خطي، يقرأ في تقاطعات الطبقي والديني والسياسي والاقتصادي للتاريخ السوري الحديث، هذا التاريخ الذي يأسر مسار وحيوات شخصيات الرواية التي تحاول التمرّد عليه، قبل أن تنتهي إلى نهايات غير متوّقعة.

عن المؤلف

ممحمد ديبو: شاعر وروائي ومحرّر. صدر له "لو يخون الصديق" (شعر) ضمن فعاليات دمشق عاصمة للثقافة العربية (2008)، و"خطأ انتخابي" (مجموعة قصصية) عن دار الساقي (٢٠٠٨)، و"كمن يشهد موته" عن دار المواطن (2014)، وقد صدر في طبعة ثانية باللغة الإيطالية، وحاز على جائزة الناشرين في إيطاليا (2016). صدر له أيضًا كتب مشتركة مع آخرين، أخرها "درويش بين القدر والمصير" عن دار مؤمنون بلا حدود (2024). كما ترجمت بعض قصائده وكتاباته إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية.



0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم