تشكّل رواية "وداعاً نهر الموت" للكاتب اللبناني غسان شبّارو مقاربة سوسيولوجية للواقع اللبناني في ضوء التدهور البيئي الحاصل على مدى نصف القرن الأخير إلى اليوم. وبموضوعها هذا تضعنا الرواية أمام منعطف حاسم في تاريخ لبنان الحديث، وذلك عندما اختارت وبحذق أن تطرح نفسها كـ (رواية – تنويرية) في ظل الأوضاع البيئية المنهارة والهيمنة الفكرية التي تمارسها الأحزاب على رافضي الأوضاع القائمة بما فيها من حراك شعبي طاغٍ، عفوي، سلمي، مدني، بدأ بطرح المطالب المتعلّقة بتحسين الأوضاع المعيشية، وانتهى بالمطالبة بإسقاط النظام الطائفي القائم وتغييره بصورة جذرية.

تحمل الرواية بنية نظرية راقية، تنطلق من الواقع لتتجاوزه، ويتجلى ذلك في طرح الكاتب لحلول بديلة للطاقة وترشيد الاستهلاك لمنع التلوث البيئي، ويتمظهر هذا الطرح روائياً عبر إثارة شعور القارئ بحدة الأزمة البيئية التي يعيشها والتي ستستمرّ لأجيال قادمة إذا ما وقفنا مكتوفي الأيدي. ويتم التعبير عن هذه الرؤية في سياق النص عبر العلاقة الدائرية التي تجمع شخوص الرواية فيما بينهم، بما فيهم من اختلاف وائتلاف، وبشكلٍ تُعبِّر فيه كلّ شخصية عما يشغلها. وفي هذا المستوى تحديداً، يُمكن النظر إلى "إيمان عباس" الإعلامية المهتمة بقضايا البيئة كتمثيل استعاري لمشروع نخبة ثقافية واعية كاملة في لبنان والعالم، فقد ارتأت الدفاع عن صحة الإنسان وحقّه في حياة خالية من التلوث، يساندها خبراء من خارج لبنان، وناشطون من داخل لبنان في مشاريع صديقة للبيئة. بينما يُمثِّل "جرجي بولس" شخصية الرأسمالي النهم والمسؤول الفاسد الذي يتخذ من موقعه طريقاً إلى الثروة والنفوذ، وتقف خلفه شخصيات فرعية تصوّر المنتفعين من هذا الواقع. وما بين طُغمة فاسدة ونخبة ثائرة، يقع العديد من الضحايا الذين تسلِّط الرواية الضوء على واقعهم المزري بعد أن تحوّل نهر الليطاني إلى نهر الموت، ومعه العديد من الأنهار الملوّثة في عدة مناطق من لبنان والعالم.

ومع رواية "وداعاً نهر الموت" يُلقي الكاتب غسان شبّارو حصاة كبيرة في البحيرة اللبنانيّة، علَّ لوقعها أن يُحدثَ أثراً في النفوس فتستجيب لجمال الطبيعة، خاصة أن كل لبناني يُدرك بأن هوية لبنان الطبيعية/البيئية هي قيمة كبرى في حدّ ذاتها، ومن يستهين بها يستهين بهويته، لأن دمارها قد يعني فناءه. لذلك يُمكن القول إن مأساة لبنان الكبرى وخسارته التي لا تُعوَّض، تكمن قبل كل شيء، في تخريب طبيعته، والعبث بتراثه، وتلويث بيئته، من هنا يتوجب على كلّ لبناني أن يُردد قَسم "نهر الحياة" وراء أبطال هذه الرواية:

"أُقسمُ بالله العظيم، أن أعمل بجميع الطرق السلمية، على رفع أذى التلوّث، عن نهر الليطاني وبحيرة القرعون، لنقول "وداعاً نهر الموت" و"مرحباً نهر الحياة"، والله على ما أقول شهيد".

قدّم للرواية بقراءة نقدية الشاعر والروائي نزار دندش/ رئيس رابطة الأساتذة الجامعيين لحماية البيئة قائلاً: "وداعاً نهرُ الموت" روايةٌ رائعة صاغها نهرُ فكرٍ غنيٍّ وصادق، ساكباً فيها نهراً مِنَ القِيَمِ والأخلاق البيئية المُستجدة.

هي قيمةٌ معرفية تعتمد الدقّةَ العلمية، وهي روايةٌ مكتملة، مسرحُها حوض الليطاني وأبطالها من مختلف أصقاعِ الأرض. فيها صراعُ الفضيلةِ والرذيلة وفيها انتصارٌ لعشّاق الحياة. فيها من التشويق الذي لا يخدشُ الحياء، وفيها مِنَ العِبَرِ ما يُساهِمُ في تصويب أخلاقيات العلوم الحديثة.

"وداعاً نهرُ الموت" من الروايات العربية القليلة التي تتعاطى مع الواقع المُعاش، تخاطب جيلَ الشباب وتحترم تطلّعاته، أما أسلوبها المباشر السهل الممتنع فقد زادها صدقيةً وقرباً، وزادنا ثقةً بما حملته من معلومات. أنصح أن يقرأها كلُّ من كانت أيديولوجيتهُ حبُّ الحياة".

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم