لي كوتومي

لطالما حازت الكثير من الأعمال الكلاسيكية الصينية على الإعجاب في اليابان ووجدت قراء لها على مر العصور، إلا أن رواية ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ غير معروفة نسبيا. توصي لي كوتومي الفائزة بجائزة أكوتاغاوا اليابانية بقراءة هذه التحفة الفنية التي تعود إلى القرن الثامن عشر، مشيرة إلى أوجه التشابه مع حكاية غينجي.

رواية لم تحظ بالاهتمام في اليابان

بينما كنت في اجتماع تخطيط لتنظيم فعالية مع عدد قليل من الكتاب الآخرين، تبادر إلى ذهني فكرة التعريف برواياتنا الرومانسية الأكثر ترشيحا للقراء. لكن اقتراحي بشأن ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ لم يتسبب إلا بالارتباك.

يبدو أن اليابان تميل إلى الأدب الغربي هذه الأيام، حتى بالنسبة للذين يقرؤون الأدب الأجنبي تكون الأعمال الآسيوية عادة مهملة لديهم. فعلى سبيل المثال، أصدرت المجلة الأدبية ’’غونزو‘‘ إصدارا خاصا في يونيو/حزيران عام 2020 بناء على استطلاع رأي يطلب من 70 شخصا من العالم الأدبي –من بينهم مؤلفون ونقاد وموظفو مكتبات وباحثون– تسمية روايتهم المترجمة المفضلة. لم يذكر إلا حوالي اثني عشر شخصا أعمالا آسيوية (هيمنت عليها تلك الأعمال من كوريا الجنوبية). وقد تملكني الحزن إلى حد ما عندما قرأت القائمة.


’’حلم الغرفة الحمراء‘‘

بطبيعة الحال تنعكس حالة المجتمع الدولي والاختلافات في قوة الدول على النشر والترجمة الأدبية، لكن في حالة ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ يبدو لي وكأنه لغز من أسرار التاريخ الأدبي. تحظى جميع الروايات الكلاسيكية الصينية تقريبا بشعبية في اليابان وكان لها تأثير على ثقافتها وأدبها.

فعلى سبيل المثال، رواية ’’حافة الماء‘‘ استوحيت منها رواية ’’سجلات الكلاب الثمانية‘‘ المكونة من 98 مجلدا، كما أصبحت العديد من القصص من مجموعتي ’’سان يان‘‘ و’’إير باي‘‘ أساسا لقصص في ’’حكايات ضوء القمر والمطر‘‘، وبالطبع فإن رواية ’’رحلة إلى الغرب‘‘ حُولت إلى مسلسل تلفزيوني شهير في اليابان. كما حولت رواية ’’رومانسية الممالك الثلاث‘‘ ورواية ’’تنصيب الآلهة‘‘ إلى أعمال مانغا، وبالعودة إلى الوراء أكثر، ألهمت رواية ’’البرقوق في المزهرية الذهبية‘‘ أعمالا من فن شونغا للتصوير الإباحي المطبوع بقوالب خشبية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال رواية ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ وهي أعظم عمل أدبي كلاسيكي صيني غير معروفة تقريبا في اليابان.

أفترض أن ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ تفتقر إلى وجود قصص عن معارك كبرى ودراما جارفة مثل التي يجدها المرء في رواية ’’رومانسية الممالك الثلاث‘‘ أو رواية ’’رحلة إلى الغرب‘‘، ولا تحكي عن سيد حياكة المؤامرات مثل جوكيه ليانغ في الرواية الأولى ولا عن شخصيات لا يضاهيها أحد في القتال مثل سون ووكونغ في الرواية الثانية. إن العالم الذي تصوره ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ محدد بتفاصيل عاطفية مرهفة وعلاقات إنسانية داخل مجتمع أرستقراطي. وبعبارات أكثر عصرية، في حين أن روايتي ’’رومانسية الممالك الثلاث‘‘ و’’رحلة إلى الغرب‘‘ مسليتان إلى حد كبير، فإن ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ عبارة عن خيال أدبي، شيء شخصي للمؤلف. وبالتالي ليس من المستغرب أن تكون الروايتان السابقتان أكثر شيوعا.

ومع ذلك، أشعر أنها لا تزال معروفة قليلا. لدينا هنا ’’حكاية غينجي‘‘، وهي رواية لها قراء في اليابان منذ ألف عام. وهي عمل يصور أيضا بدقة تفاصيل عاطفية مرهفة. واليابان التي تعشق غينجي ليس لديها سبب لتجاهل ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘. ومع ذلك فالرواية لا تحظى بشعبية هنا. ما السبب في ذلك؟ بالنسبة لأي شخص لديه معرفة بسيطة بالأدب الياباني والصيني، يجب أن يكون الأمر محيرا حقا. أنا أيضا كنت في حيرة من أمري.

ولكن شكوكي تبددت عندما شاهدت محاضرة عبر الإنترنت للباحث في الأدب الصيني أوكي ياسوشي. فقد قال إنه منذ فترة طويلة، قبل عصر الإنترنت، غالبا ما كانت الروايات التي تحظى بشعبية في الصين تتأخر حوالي 100 عام قبل أن تلاقي شهرتها في اليابان. وبعد مرور مائة عام على نشر ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ في الصين في أواخر القرن الثامن عشر ، كانت اليابان في عصر نهضة ميجي عام 1868، عندما تحولت اهتمامات المثقفين من الصين إلى الغرب. وقلت في نفسي ’’آها‘‘. هذا يعني أن ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ غير معروفة في اليابان بسبب حادث تاريخي بسيط. لكنني وجدت أن هذا الحادث مؤسف للغاية لدرجة أنني قررت أن أتناول القضية بنفسي وأعرض وجهة نظري حول ما يجعل الكتاب ساحرا للغاية.

مستوى ملحمي

كنت في المدرسة الابتدائية عندما وقعت عيناي على ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ أول مرة. كانت أحد الكتب القديمة لوالدي، وكانت مخبأة على رفوف الكتب في منزل جدتي. بدا عنوانها ملفتا للنظر، لكن الرواية كانت كبيرة بحجم قاموس، وعندما قلبت صفحاتها لم أعثر على أية رسوم أو ملاحظات توضيحية. ومن نافلة القول إنني سئمت منها بعد فترة وجيزة. عندما قرأتها أخيرا بينما كنت في المدرسة الثانوية، اكتشفت العالم المسرف والكتابة الأنيقة والشعر الحساس وقصة حب مأساوية ساحرة تماما. لاحقا أخذت فصلا دراسيا في الجامعة حولها، لذلك تمكنت من إعادة قراءتها مرارا مع الإشارة إلى جميع أنواع النظريات الأدبية.

بالنسبة لأولئك الذين لم يقرؤوا ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ بعد، فهي رواية مكونة من 120 فصلا نُشرت في أواخر القرن الثامن عشر. تعتبر واحدة من أعظم كلاسيكيات الأدب الصيني، ولاقت شهرة واسعة على مدار أكثر من 200 عام. تناهى إلى سمعي أن هناك مقولة في الصين بأنه إذا كان العالم على وشك الانتهاء وكان بإمكان الناجين اصطحاب كتاب واحد فقط معهم إلى الفضاء، فإن الكثيرين سيختارون هذه الرواية.

مؤلف الرواية هو تساو شيويه تشين، لكن القصة تقول إنه لسبب ما ضاعت الفصول من 81 فصاعدا (أو لم تكتب في المقام الأول مطلقا؟)، لذلك يُعتقد أن الفصول 81-120 المنشورة حاليا هي إضافات لاحقة بواسطة شخص اسمه ’’غاو إي‘‘. لهذا السبب تتغير التوصيفات في بعض الأجزاء الأخيرة، والقصة بها تناقضات. قالت الكاتبة الصينية الشهيرة إيلين تشانغ إن هناك ثلاثة أشياء تأسف عليها في الحياة: أن أسماك الصبور تحتوي الكثير من الحسك، وأن أزهار تفاح السلطعون الصينية ليس لها رائحة، وأن حلم الغرفة الحمراء لم تكتمل.

بطل الرواية هو النبيل جيا باويو وهو ابن عائلة أرستقراطية. في تلك الأيام، كان طريق الرجل لكسب الاحترام في المجتمع هو إجراء الامتحان الوطني ليصبح بيروقراطيا ويجلب الشرف لعائلته، لكن جيا باويو يفضل قضاء وقته مع الشابات. يعيش في حديقة جميلة تسمى داغوانيوان حيث لا يُسمح إلا للنساء بالدخول. يقضي أيامه هناك محاطا بشابات موهوبات وينغمس في المحادثات والولائم والشعر.

وبينما تركز ’’حلم في الغرفة الحمراء‘‘ على تدهور حديقة داغوانيوان الفاتنة من ذروتها في طريقها نحو الانهيار وعلى قصة الحب المأساوية بين جيا باويو والبطلة لين داييو، تصور الرواية بوضوحٍ مختلفَ صور الدراما البشرية للعائلة الأرستقراطية، وكذلك أقاربهم و الخدم. لا تقتصر القصة على العالم الفاني فحسب، بل تتناول أيضا العالم السماوي وعالم الأساطير، مع أكثر من 700 شخصية مذكورة بالاسم. وإذا أضفنا الشخصيات غير المسماة، فسيتجاوز الرقم 900 شخصية.

إن عدد الشخصيات والمستوى الملحمي للرواية يستدعي إجراء مقارنات مع أروع الأعمال الكلاسيكية اليابانية، وقد أطلق عليها بعض الناس بالفعل اسم ’’حكاية غينجي الصينية‘‘، بينما في المناطق الناطقة بالصينية يُطلق عليها غالبا اسم ’’الحلم الياباني للغرفة الحمراء‘‘.

بالفعل فإن الكتابين، ’’حكاية غينجي‘‘ و’’حلم الغرفة الحمراء‘‘، يشتركان في الكثير من الأشياء. من بين الأمثلة على ذلك التأثير القوي للفكر البوذي (مثل وجهة النظر حول الزوال ومفهوم الجزاء من جنس العمل) والتوصيف القوي، على الرغم من وجود العدد الكبير من الشخصيات. وفي توافق آخر بين العملين، تماما كما تم اعتبار الفصول الأربعين الأخيرة من ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ من عمل مؤلف منفصل، يعتقد البعض أن الفصول العشرة الأخيرة لحكاية غينجي ليست من تأليف موراساكي شيكيبو. ومن حيث الطول، ’’حكاية غينجي‘‘ مكونة من مليون حرف كانجي، بينما ’’حلم الغرفة الحمراء‘‘ مكتوبة بحوالي 800 ألف حرف صيني، ولكن عندما تُترجم الكتابات الصينية إلى اليابانية، يزداد عدد الأحرف، لذا فمن المحتمل أن تكون الروايتان متماثلتين تقريبا في الطول.

مقارنة بين جيا باويو وهيكارو غينجي

الشخصيتان المحوريتان في كلتا القصتين، جيا باويو وهيكارو غينجي، يقضيان وقتهما محاطين بالنساء، وكلاهما من طبقة النبلاء وكانا على قدر من الجمال والموهبة. ولكن لا أريد أن يعتقد الناس أن جيا باويو منغمس في الغزل والرومانسية مثل هيكارو غينجي.

قرأت ترجمة لين وينيو إلى اللغة الصينية لحكاية غينجي عندما كنت في الجامعة. كانت صعبة جدا، وتعين عليّ أن أكرر المقاطع مرارا، واستغرق الأمر عاما كاملا لاستكمال قراءتها.

أخشى أن أُغضب عشاق القصة، لكن انتهى بي الأمر بتكوين صورة عن هيكارو غينجي بأنه شخص ضعيف الإرادة منغمس في الملذات يتنقل من سرير امرأة إلى أخرى. حتى أنه يعود لاستخدام القوة إذا تعرض للرفض وهو ما يعني أنه كان مغتصبا. لقد طرد بعض النساء بمجرد أن انتهى من اللعب معهن، وماتت أخريات في حياته بسبب لعنة إيكيريو (أرواح الأحياء التي تفارق الجسد بهدف الانتقام). في مرحلة ما، يهرب غينجي من صراع السياسة وتعقيداتها مع النساء إلى المقاطعات، ولكن حتى في حياته أثناء اليأس والنفي ينتهي به الأمر بالعثور على امرأة جديدة.

ينتقل هذا الجين المسؤول عن الاستهتار إلى الأجيال التالية، ومن المثير للغضب أن نقرأ في فصول أوجي اللاحقة كيف أن كاورو ونيو وهما شخصان فظيعان يطاردان أوكيفوني ويصران على مغازلتها لدرجة أنهما يدفعانها لمحاولة الانتحار. حتى بعد قراءة كل سلاسل القصص المصورة ’’مانغا‘‘ عن غينجي من ياماتو واكي، وأخذ فصل دراسي جامعي عن الفصول العشرة لأوجي، ومشاهدة الأنيمي والأفلام المستوحاة من الرواية، لا يمكنني أن أدفع نفسي للإعجاب بالقصة، لأن كل شخصيات الذكور فيها مجرد قمامة. بغض النظر عن كم مرة قيل لي إنه كان من المتوقع أن يتصرف الرجال في فترة هييان (794-1185) بتلك الطريقة، إلا أنني كقارئة معاصرة لا يمكنني ببساطة الاستمتاع بغينجي كما يفعل القراء من عصر هييان.

هذا هو أحد الاختلافات الرئيسية بين هيكارو غينجي وجيا باويو، الذي ببساطة لا يعامل النساء معاملة سيئة. بغض النظر عن مكانتهما في الحياة، فهو يعامل النساء من حوله باهتمام وعناية فائقة. الكتاب مليء بالمشاهد حيث يقوم بعمل مكياج لفتاة أو يمشط شعرها. وعلى الرغم من أنه ولد رجلا في مجتمع يهيمن عليه الذكور بأغلبية ساحقة، إلا أنه لم يستغل مركزه المرموق أبدا، ودائما ما كان يسخر من الرجال بمن فيهم نفسه، حيث يصفهم بأنهم ’’أشياء قذرة لها لحية وحواجب عريضة‘‘، ويعلن أن ’’الفتيات من الماء، أما الرجال فمن الطين‘‘. قضى حياته في حديقة داغوانيوان مع نحو 60 امرأة جميلة، لكن المشاعر التي يعبر عنها أقرب إلى الصداقة والشعور الأسري مع عدم ترك مجال للأمور الجنسية. المشاعر الرومانسية الوحيدة التي يعبر عنها هي تجاه شخص واحد هي البطلة لين داييو، حيث تتطور ببطء على مدار حياتهما الطويلة معا. إن تفاعلاتهما روحية بعمق. إنهما ببساطة ينشدان الشعر معا ويمارسان الألعاب ويناقشان البوذية والتاريخ ويتجادلان أحيانا ويتوافقان أحيانا أخرى.

بالطبع هناك فاصل زمني بين كتابي غينجي وحلم الغرفة الحمراء يتجاوز 700 عام، ولا ينبغي لأحد أن يحكم على الأعمال فقط بناء على شخصية البطل وحده، متجاهلا كل الخلفيات التاريخية. ما أريد قوله هو الآتي: يجب على عشاق غينجي المنحدرين من طبقة أرستقراطية رفيعة قراءة حلم الغرفة الحمراء، أما أولئك الذين يشعرون بالحنق من سوء سلوك الشخصيات الذكورية بمن فيهم هيكارو غينجي، فيتعين عليهم قطعا قراءتها.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: طابع بريدي صيني مستوحى من حلم الغرفة الحمراء)

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم