صدر مؤخراً للدكتور ولات محمد كتاب نقدي جديد تحت عنوان: «شواطئ النص... الاقتباس التمهيدي في الرواية العربيةـ الأنماط، الوظائف، آليات الاشتغال».

الكتاب دراسة موسعة في واحدة من أهم العتبات النصية في الرواية العربية، وتحديداً «عتبة الاقتباس» epigraph، أو ما يسمى في النقد العربي «التصدير/ الاستهلال».

يتمحور البحث (حسب كلمة الناشر أيضاً) حول الأهمية الاستراتيجية لـ«الاقتباس التمهيدي» epigraph في لعبة الكتابة الروائية، وينبني على طرح أسئلة من قبيل: ما الذي يدفع الروائي (وغيره من المؤلفين) إلى تصدير نصه باقتباس ذاتي أو غيري؟ ولماذا يمهد الروائي أحياناً لروايته باقتباس واحد، وأحياناً أخرى باقتباسين أو أكثر؟ وهل يؤثر وجود ذلك الاقتباس في تأويل النص؟ وهل يختلف الدور الوظيفي للاقتباس إذا ما جاء في صدر النص الروائي، وإذا ما وضع في صدر أحد فصوله؟ لماذا بات انشغال الروائي بوضع نص مقتبس (أو أكثر) قبل نصه أو بعده ظاهرة منتشرة بكثرة، وملحوظة بوضوح في التجربة الروائية العربية خلال العقود الأخيرة؟ وأخيراً: متى بدأت الرواية العربية استخدام «الاقتباس التمهيدي»؟ وكيف؟

وللإجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها، يفتح البحث ثلاثة أبواب يلجها عبر ما يسميها «عتبة دخول»: يقوم في الباب الأول بعرض ومناقشة نظرية العتبات النصِّية عموماً، و«عتبة الاقتباس» epigraph خصوصاً في النقدين الغربي والعربي، وكذلك حضور «العتبات النصية» ومنها الاقتباس التمهيدي في التراث العربي أدباً ونقداً، ويدرس أهمية مفهوم «العتبة» وعلاقتها بالمتن/ الجوهر من المنظورين الثقافي والنصي، ويقدم وجهة نظره الخاصة في بعض المسائل الرائجة والمتداولة بخصوص العتبات النصية، ويسوغ اختياره لمصطلح «الاقتباس التمهيدي» في مقابل المصطلح الأجنبي.

أما في الباب الثاني فيقوم البحث بدراسة أفقية لـ«عتبة الاقتباس» في أكثر من مائتين وثلاثين رواية عربية، من خلال عرضها على أسئلة جيرار جينيت الخمسة، وسؤالين آخرين يقوم البحث بإضافتهما من لدنه إلى الأسئلة الخمسة؛ لتكون المحصلة دراسة شاملة لهذه العتبة النصية في الرواية العربية تنتهي إلى وضعها «العتبة» في تصنيفات وحقول تذكر للمرة الأولى في دراسة النقد العربي. كما يعرض الباب نماذج خاصة لهذه العتبة النصية في الرواية العربية، تكشف عن مدى انشغال الروائي بها وبصيغها وأشكالها؛ لتكون هي ذاتها موضوعاً للإبداع، ثم يغلق البحث هذا الباب بتقديم تصوره الخاص لهذه العتبة النصية الذي يعرض من خلاله النتائج التي انتهى إليها من خلال تلك الدراسة، ويختمه برسم استراتيجية لكيفية مقاربة النص الروائي من خلال علاقته بعتبة الاقتباس.

ما طرحه البحث من استراتيجية وتصور لكيفية مقاربة العلاقة بين النص و«عتبة الاقتباس» يقوم بتطبيقه في بابه الثالث (في دراسة عمودية) على ست روايات عربية يتناولها بتحليل مفصل تخص الروائيين: حيدر حيدر، وعبد الرحمن منيف، وصنع الله إبراهيم، وإبراهيم الكوني، وجبرا إبراهيم جبرا، وسالم حميش، على الترتيب، ويمهد لهذا الإجراء العملي بالتوقف عند محطتين: يعرض في الأولى العلاقة بين الرواية العربية الحديثة عموماً والعتبات النصية، ويتوقف في الثانية على شاطئ قراءة النص، ليلقي نظرة على خصوصية «الاقتباس التمهيدي» التي تميزه عن سائر العتبات النصية، مبرزاً مدى أهمية إدراك هذه الخصوصية في قراءة نص الاقتباس أولاً، ومن ثم قراءة نص الرواية ثانياً.

عند «عتبة الخروج» يعرض البحث لقارئه الذي رافقه في تجواله النتائج التي توصل إليها من خلال هذه الرحلة الممتعة مع هذه العتبة النصية المهمة، ولكنه يبقي الباب وراءه مفتوحاً، ويقول: «لن يغلق البحث وراءه باب الخروج من الدراسة ولن يكتفي بما تم؛ بل سيبقى في حالة عمل دائمة في هذا الحقل النقدي، وسيظل يضيف إلى الدراسة وأحكامها ونتائجها وتصنيفاتها كلما عثر على جديد، وكل ما من شأنه أن يحدث إضافة جادة وحقيقية ولازمة».

إضافة إلى ذلك، يشتمل الكتاب على ملحقين: يتضمن الأول منهما شهادات خاصة بهذا البحث لستة روائيين، يتحدثون فيها مشكورين عن تجاربهم الخاصة مع «الاقتباس التمهيدي» في رواياتهم، وعن مواقفهم الأدبية من هذه العتبة النصية. ويقدم الثاني تعريفاً مفصلاً بالروائيين الستة (الذين تمت دراسة رواياتهم) وبنتاجهم الأدبي والفكري.

«يقدم البحث، في المحصلة، حول هذه العتبة النصية المهمة، أسئلة وإجابات ونتائج تُطرح لأول مرة في النقد العربي، ويكشف لكل من الكاتب والقارئ الكثير من خبايا هذه العتبة النصية ومزاياها، واستراتيجيات التعامل معها كتابة وقراءة» حسبما جاء في كلمة الناشر.

وكان قد صدر للمؤلف عام 2007 كتاب «دلالات النص الآخر في عالم جبرا إبراهيم جبرا الروائي» عن الهيئة العامة السورية للكتاب.

المصدر: الشرق الأوسط

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم