كانتربري (رويترز) - قال الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح، الذي فاز بجائزة نوبل في الأدب لعام 2021 اليوم الخميس، إن على أوروبا استقبال المهاجرين بمشاعر العطف والرحمة بدلا من الأسلاك الشائكة وإن سلوك الحكومة البريطانية "مقزز إلى حد ما" تجاه الساعين للجوء.

وقال قرنح، الذي يرصد في كتبه إرث الاستعمار وآثاره على الأشخاص الذين يضطرون لترك أوطانهم، إنه فوجئ تماما عندما اتصلت به الأكاديمية السويدية لإبلاغه بفوزه بالجائزة.

ولد قرنحفي زنجبار، تنزانيا حاليا، وانتقل وهو طالب إلى بريطانيا في 1968. وتصور رواياته، التي نُشرت أولاها عام 1987، بشكل متكرر النازحين والغرباء الذين يتصالحون مع هوية في حالة تغير مستمر.

وتحدث بشاعرية عن تجربة الهجرة، عن ترك المرء للأسرة وجزء من حياته للعيش في مجتمع جديد يشعر فيه على الدوام بأنه غريب.

وأضاف قرنح (73 عاما) أنه يشعر أن الحكومة البريطانية تبدو سيئة تجاه أولئك الذين يسعون للحصول على اللجوء السياسي.

وقال لرويترز في حديقته في كانتربري بإنجلترا "في الوقت الحالي ، يبدو أن سلوك الحكومة مقزز إلى حد ما إزاء الأشخاص الذين يطلبون اللجوء أو الذين يسعون لدخول هذا البلد.

"يبدو أنهم يستغربون بأن القادمين من أماكن صعبة يريدون المجيء إلى بلد ينعم بالرخاء. لماذا يستغربون؟. من ذلك الذي لا يرغب في المجيء لبلد أكثر رخاء؟. هناك نوع من الخسة في هذه الاستجابة".

يقدم قرنحعمله باعتباره محاولة لسد الفجوة بين العمل الأكاديمي عن الاستعمار والمعرفة الشعبية به.

وقال "هذا مجال يمكن للأدب أن يلعب فيه دورا. ليس بأسلوب تعليمي بل من خلال السرد والتواصل ومن خلال الحديث عن الأشياء، ومن خلال جعل الناس يعيشون (الحدث)".

وبعد يوم من تعهد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون "بالدفاع عن تاريخنا والميراث الثقافي" ضد أولئك الذين يهاجمون ماضي بريطانيا، قال قرنح إنه يرفض محاولات الاحتفال بتاريخ انتقائي.

وأضاف "يجب أن تعرف. لو أن هناك أمورا فظيعة يتعين معرفتها، لابد أن تُعرف. لا يمكنك أن تكتفي بالقول إنها هراء يزعجنا".

يتميّز الروائي عبد الرزاق غورنا المولود في زنجبار والمقيم في بريطانيا الذي نال الخميس نوبل الآداب بأعماله التي تغوص في آثار الاستعمار والهجرة على الهوية.

وهو كوفئ بالجائزة الأدبية الأرقى تقديرا لسرده "المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات"، بحسب لجنة التحكيم التي أشادت بـ "تمسّكه بالحقيقة وإحجامه عن التبسيط".

وكان الروائي قد قال في مقابلة أجريت معه في فرانكفورت سنة 2016 "أريد بكلّ بساطة أن أكتب بطريقة تكون أقرب ما يكون إلى الحقيقة وأن أقول +ما فيه نُبل+".

وغورنا هو أول كاتب إفريقي ينال نوبل الآداب منذ 2003.

وهو ظنّ الأمر "مزحة" عندما أبلغ بفوزه بالجائزة.

وفي مقابلة مع مؤسسة نوبل، دعا أوروبا إلى اعتبار اللاجئين الوافدين إليها من إفريقيا بمثابة ثروة، مشددا على أن هؤلاء "لا يأتون فارغي الأيدي".

لجأ عبد الرزاق قرنح المولود في زنجبار، وهو أرخبيل يقع قبالة ساحل إفريقيا الشرقية بات جزءا من تنزانيا، إلى بريطانيا في نهاية الستينات بعد بضع سنوات من الاستقلال في وقت كان عرب المنطقة يتعرّضون للاضطهاد. ولم يتسنّ له أن يعود إلى زنجبار سوى في العام 1984.

وفي مقال نشرته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية سنة 2004، كشف عبد الرزاق قرنح أنه بدأ يكتب في الحادية والعشرين من العمر، بعد بضع سنوات من استقراره في بريطانيا.

وهو أخبر أنه وقع في شباك الكتابة، بحسب تعبيره، من دون أن يكون قد خطّط لذلك، موضحا "بدأت أكتب بلامبالاة وبشيء من الخوف من دون أي تصوّر مدفوعا برغبة في الإفصاح عن المزيد".

وقد نشر منذ العام 1987 عشر روايات، فضلا عن قصص قصيرة. وهو يكتب بالإنكليزية حتى لو كانت السواحلية لغته الأم.

وتتطرّق رواياته الثلاث الأولى "ميموري أوف ديبارتر" (1987) و"بيلغريمز واي" (1988) و"دوتي" (1990) إلى تجارب المهاجرين في المجتمع البريطاني المعاصر".

وهو تمايز خصوصا بروايته الرابعة "بارادايس" التي تجري أحداثها في شرق إفريقيا خلال الحرب العالمية الأولى. ورشّحت الرواية لجائزة "بوكر" الأدبية البريطانية العريقة.

أما "أدماييرينغ سايلنس" (1996)، فهي تروي قصّة شاب يغادر زنجبار ويهاجر إلى بريطانيا حيث يتزوّج ويزاول التدريس. وتؤثّر فيه سفرة إلى بلده بعد عشرين عاما من مغادرته إلى حدّ كبير وتلقي بظلالها على زواجه.

ورأى الأكاديمي لوك برونو أن أعمال قرنح "تطغى عليها مسائل الهوية والهجرة وهي مقولبة بموروثات الاستعمار والاستعباد".

وهو كتب على موقع المعهد الثقافي البريطاني أن "روايات قرنح تقوم كلّها على الآثار المدمّرة للهجرة إلى بيئة جغرافية واجتماعية جديدة عل هوية شخصياتها".

وتروي "باي ذي سي" (2001) الحائزة جائزة أدبية فرنسية سنة 2007 قصّة صالح عمر وهو طالب لجوء مسلم متقدّم في السنّ يعيش في مدينة ساحلية في إنكلترا.

وكتب الأديب الفرنسي الذي يتحدر من جيبوتي عبد الرحمن وابري سنة 2010 في "لو موند ديبلوماتيك" أن "روايات قرنح المتجذّرة في التاريخ الاستعماري للشرق الإفريقي والعابقة بالأساطير السواحلية المطعّمة بلغة ساحرة تبحر بين القصص الإرشادية والتعايش مع آلام المنفى والاستكشاف الذاتي والتأمّل في حالة البشر".

وقد نشرت روايته الأخيرة في العام 2020 تحت عنوان "آفترلايفز" وهو يتطرّق فيها إلى الاستعمار الألماني لإفريقيا.

ويعيش عبد الرزاق قرنح في برايتون في جنوب شرق إنكلترا وهو درّس الأدب في جامعة كينت حتّى تقاعده منذ فترة قصيرة.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم