كهف الألواح" رواية تغوص في أعماق الذوات لتواجه الصدمات
تمثل رواية “كهف الألواح” للكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج إضافة نوعية للمشهد الروائي العربي المعاصر، في حقل الرواية النفسية، حيث تغوص في أعماق الذات البشرية وتستكشف تعقيداتها وصراعاتها في مواجهة الصدمة والفقد والعنف.
عبر ثلاث شخصيات نسائية محورية، خلود وإيزل وآزاد، تقدم الرواية سبرا عميقا ومؤثرا للدواخل النفسية المرهقة والمأزومة، والتي تعاني تبعات التعرض للاعتداء والإجهاض والعنف الجسدي والرمزي. في رحلة شاقة ومتشعبة، تقاوم هذه الشخصيات من أجل استعادة ذواتها وهوياتها المنشطرة، وتخوض غمار الذاكرة والكتابة بحثا عن فرص التعافي والخلاص.
بلغة شاعرية كثيفة الإيحاء والرمز، يتقصى احجيوج فضاءات الصدمة النفسية ومفاعيلها العميقة، ويسائل الحدود الهشة بين الواقع والوهم، وبين الحاضر والماضي، ليقدم في النهاية نصاً سرديا يلامس بمهارة وجرأة فائقتين مكامن الألم والرعب في النفس الإنسانية
تتميز الرواية بمقاربتها الشجاعة والصادقة لموضوعات حساسة وصعبة، مثل الإساءة الجنسية والإجهاض واضطراب ما بعد الصدمة والعنف القائم على الجندر، كما تطرح تساؤلات ملحة حول آليات التعافي واستعادة الذات، عبر فعلي التذكر والكتابة.
هكذا، فإن “كهف الألواح” رواية تتوغل في المناطق المعتمة من التجربة الإنسانية، وتضيء على إمكانات الصمود والتجاوز رغم كل الخسارات والجراح.
بصدور هذا العمل عن دار نشر هاشيت أنطوان/نوفل، يؤكد احجيوج مكانته كأحد أهم الأصوات الجديدة في الرواية العربية المعاصرة، ويقدم نموذجا فريدا للكتابة الاستبطانية التي لا تتهيب من مجابهة ومساءلة أقصى حالات القلق والاضطراب النفسي.
تجدر الإشارة إلى أن أعمال احجيوج السابقة، بما في ذلك “كافكا في طنجة”، و”أحجية إدمون عمران المالح”، و”ليل طنجة”، حازت على استحسان النقاد والتقدير الدولي، مع ترجمات لعدة لغات، وبصدور “كهف الألواح”، يثبت احجيوج موهبته وصوته الروائي المتفرد، معززا مكانته كأحد أهم الأصوات الجديدة في الرواية العربية.
وفي تقديمه للكتاب يقول “كأن هناك من يتعمد محو الدلائل التي تتوارى كلما تقدمنا في قراءة رواية الكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج. من يكتب من؟ ومن يقبع في ذاكرة من؟ من يقفز من الشرفات؟ ومن يخُفي الجثث التي تسقط؟”.
ويضيف “قد يشعر القارئ بأنه يحتاج دليلا لقراءة هذه الرواية. ففي تقنيته الروائية المُحكمة، يتتبع احجيوج مسارات ومتاهات الذاكرة، واحتمالاتها الفالتة من أي سياق زمني منطقي. لن يقدم أحد لنا الدليل على أن ما حدث قد حدث حقا. هناك مجموعة من القصص التي لن نكتشف الرابط بينها إلا لاحقا، رغم أن النهاية قد تكون مجرد بداية أخرى”.
الرواية إذن عبارة عن حركات سردية، أقرب إلى مشاهد تتكرر في الرأس، لكن مع اختلافات بسيطة في كل مرة، تظهر إما بتبدل ملامح إحدى الشخصيات وإما بتغيير اسمها، أو في تفاصيل من تاريخها العائلي. الأحداث التي تجري هي الثابت الوحيد. ومن خلال تكرارها، تصير القراءة والكتابة فعلاً واحداً. فالكتابة تبدو أقرب إلى استجابة قهرية لنص يُملى على الكاتب، لنص أنجز مسبقاً، ولعل الكاتب، ليس إلا شخصية أخرى في قصة أحدهم، حيث الألواح القابعة داخل الكهف تنطوي على كل المصائر، وحيث الحياة هي أيضاً كتاب واحد بصفحات لا نستطيع حيالها شيئاً سوى ملء الفراغات بأسمائنا.
0 تعليقات