سان فرانسيسكو (د ب أ)- أثبت فريق من الباحثين في الولايات المتحدة أنه عندما يستمع مجموعة من البشر إلى نفس الرواية أو يشاهدون مقطع فيديو واحد، فإن معدل نبض القلب لديهم عادة ما يرتفع أو ينخفض بشكل متزامن، وأن هذا التزامن يمكن أن يؤدي يوما ما إلى ابتكار تقنية جديدة لقياس معدل الانتباه سواء في قاعات الدراسة أو المراكز الطبية، بحسب الدورية العلمية "سيل".

وكان الباحث لوكاس بارا وهو مهندس متخصص في مجال الطب الحيوي بجامعة "نيويورك سيتي كولدج" بالولايات المتحدة يعرف من دراساته السابقة أنه عندما تشاهد مجموعة من البشر مقطع فيديو واحد أو يستمعون إلى نفس الرواية، فإنهم يبدون استجابة عقلية متشابهة، حسبما يظهر على جهاز قياس الأشطة الكهربائية للمخ. ولكن زميلا له يدعى جينس مادسون أقنعه بضرورة تطبيق نفس التجربة على معدل نبض البشر.

ويقول بارا: "من الصعب تسجيل إشارات المخ، ولكن إذا كان قلب الانسان يتأثر بنفس الطريقة، فإن تسجيل استجابة القلب لا تتطلب نفس الأجهزة المعقدة اللازمة لقياس رد فعل المخ".

وانضم الباحثان إلى زميل لهما يدعى جاكوبو سيت من معهد أبحاث المخ في باريس لإجراء سلسلة من التجارب لتحديد ما إذا كانت نبضات القلب يمكن أن تتسارع بشكل متزامن بين مجموعة من الأشخاص عندما يستمعون إلى نفس القصة. وبدأت التجربة عن طريق قراءة مقاطع من رواية "20 ألف فرسخ تحت الماء" للكاتب خولس فيرن مع تسجيل سرعة نبضات القلب لجميع المتطوعين. وتبين خلال الدراسة أن نبضات قلب المتطوعين تتسارع أو تتباطأ بشكل متزامن خلال نفس المقاطع من القراءة.

وعرض فريق الدراسة مجموعة من مقاطع الفيديو التعليمية التي تتناول موضوعات مختلفة مثل النظام المناعي للجسم أو كيفية عمل المصباح الكهربائي على مجموعة أخرى من المتطوعين، ثم طلب منهم مشاهدة هذه المقاطع للمرة الثانية مع تعريضهم لمصدر تشويش، مثل مطالبتهم بالعد العكسي أثناء المشاهدة. وتبين خلال التجربة أن المشاركين كانوا يسجلون نفس سرعة النبض خلال المرة الأولى، ولكن مع وجود المؤثر الخارجي، لم يتم تسجيل نفس الدرجة من التزامن في النبض.

وأثبتت الدراسة التي أوردتها أيضا الدورية العلمية "بروسيدنجز أوف ناشونال أكاديمي أوف ساينسز" الأمريكية أن الاشخاص الذين يسجلون أعلى درجات من التشابه في معدل النبض مع بعضهم، عادة ما يكونون أفضل في استرجاع التفاصيل مثل أسماء الشخصيات. ويقول بارا: "إذا كنت تنتبه إلى تفاصيل سرد الرواية، فإن نبضات قلبك سوف تتذبذب بوتيرة ثابتة يمكن رصدها، ولكن إذا فقدت التركيز، فإن معدل النبض سوف يظل يتذبذب، ولكن بشكل غير متصل بتطورات السرد".

ولم يستطع فريق الدراسة تحديد أسباب تسارع أو تباطؤ النبض مع توالي أحداث الرواية أو مقطع الفيديو، وعندما اطلع بارا على نتائج التجربة الأولى، فإنه ظن أن هذا التغيير ناجم عن سرعة التنفس، ولكن التجارب اللاحقة استبعدت هذه الفرضية. ويعتقد بارا ان الاحتمال الأرجح هو أن عقل الانسان يجهز القلب بحيث يكون دائما على أهبة الاستعداد.

ويقول بارا: "اعتقد أن نبضات تتسارع أو تتباطأ لأن جسمك في حاجة للعمل، وهذا يتطلب فهم الأشياء التي تحدث من حولنا، ولذلك فإن القلب يتابع الحوار السردي الجاري بنبضاته". ويرى الباحث أن نتائج هذه الدراسة تبعث على التفاؤل لأنها تظهر كيف أن الروايات يمكن أن توحد البشر سويا، مضيفا أن "القلب يشعر بالدفء عندما يعرف أنه ليس وحيدا أثناء الاستماع إلى قصة ما".

وفي إطار الدراسة، عقد الباحثون مقارنة بين نبضات قلب الأصحاء والمرضى الذين يعانون من اضطرابات في الوعي مثل الغيبوبة أثناء الاستماع إلى قصة أطفال عبر سماعة للأذن. وأثبتت التجربة أن الارتباط في نبضات القلب بين المستمعين يمكن أن تساعد في التمييز بين الأصحاء والمرضى، بحيث يمكن للأطباء في نهاية المطاف أن يحددوا ما إذا كانت هذه التذبذبات في النبض يمكن أن تكون مؤشرا إلى قرب تماثل المريض للشفاء. ويوضح بارا هذه النظرية قائلا: "في حالة المريض الذي يتابع الرواية من خلال تذبذب نبضاته، نريد أن نعرف إذا كان ذلك سوف يعكس حالته الذهنية خلال شهر إلى ثلاثة أشهر من الآن".

ويعتقد بارا أنه يوما ما سوف يكون بمقدور الطلاب أو الموظفين أو غيرهم استخدام الساعات الذكية حول معاصمهم لقياس سرعة نبضات قلوبهم وبالتالي يحصلون على تنبيه عندما يحدث أي تباين في سرعة النبض مما يكشف أنهم فقدوا تركيزهم أثناء الحصة الدراسية أو العمل. ويجمع الفريق البحثي في الوقت الحالي مزيدا من البيانات من خلال اطلاع المتطوعين على أفلام سينمائية كاملة، ويتساءل بارا بشأن نوعية المحتوي التي يمكن أن ترفع أو تخفض سرعة النبض. وخلص بالقول: "ربما لو توافر لدينا كم كاف من البيانات، يمكننا أن نبدأ في توجيه مثل هذه النوعية من الأسئلة".

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم