لندن - تُعدّ جائزة نوبل للآداب من أرفع الجوائز الأدبية في العالم، وتُمنح لمن يثرون الأدب البشري بكتاباتهم المميزة، ويقدمون رؤى عميقة حول الحياة الإنسانية وقضاياها. وفي عام 2024، كانت الروائية الكورية الجنوبية هان كانغ، التي تبلغ من العمر 53 عامًا، الفائزة بهذا التكريم المرموق. وبفوزها، أصبحت أول كورية جنوبية تنال هذه الجائزة، ما أثار حالة من الفخر والبهجة في وطنها الأم، بينما لاقت أعمالها اهتماماً واسعاً في جميع أنحاء العالم. ورغم الصخب الكبير الذي رافق فوزها، تأمل هان كانغ ألا تتغير حياتها اليومية كثيراً، مؤكدة على أن شغفها الأكبر لا يزال الكتابة.

هان كانغ: من "النباتية" إلى العالمية

لقد اشتهرت هان كانغ في المشهد الأدبي العالمي بفضل روايتها "النباتية"، التي نالت جائزة "مان بوكر" الدولية عام 2016، وهي رواية مميزة تتناول قصة امرأة قررت التوقف عن أكل اللحوم بعد تعرضها لكوابيس عنيفة، ما أدى إلى تغييرات كبيرة في حياتها الشخصية والنفسية. الرواية تحفر في أعماق النفس البشرية وتستعرض التوترات النفسية والاجتماعية التي تواجهها المرأة في مجتمعها. وتعد "النباتية" من الأعمال التي ساهمت في ترسيخ اسم هان كانغ في الأدب العالمي كصوت مميز في السرد القصصي، يتجاوز الحدود الثقافية ليصل إلى جمهور عالمي.

إلى جانب ذلك، أشادت الأكاديمية السويدية التي تمنح جوائز نوبل بالقدرات السردية لهان كانغ، ووصفت نثرها بأنه "شعري مكثف" يجسد القدرة على مواجهة الصدمات التاريخية والكشف عن هشاشة الحياة الإنسانية. هذا الإشادة بجانبها الأدبي تعكس مدى التزامها بتقديم أدب لا ينفصل عن الواقع والمآسي التاريخية التي عاشتها كوريا الجنوبية، وهو ما يميز كتاباتها ويجعلها محل تقدير كبير بين النقاد.

تواضع رغم المجد

رغم الضجة الكبيرة التي أحدثها فوز هان كانغ بجائزة نوبل في كوريا الجنوبية، حيث بيعت أكثر من مليون نسخة من مؤلفاتها في أيام قليلة، إلا أنها تعاملت مع الحدث بتواضع وهدوء. وأوضحت خلال لقاء في سيول، أن فوزها بالجائزة كان "لحظة مليئة بالبهجة والامتنان"، لكنها احتفلت بها بهدوء في المساء. وأضافت أن الدعم الذي تلقته من محبيها وأصدقائها كان مؤثراً للغاية، وأنه سيظل محفوراً في ذاكرتها كتجربة خاصة جداً.

ومع كل هذا الاهتمام العالمي والإشادة الكبيرة، تأمل هان كانغ أن لا تتغير حياتها اليومية بعد الفوز بالجائزة. فهي ترى نفسها كاتبة تواصل العمل مع القراء من خلال الكتب، وتؤكد أن الكتابة هي وسيلتها للتواصل مع العالم.

وعلى الرغم من الشهرة التي نالتها، لا تزال هان كانغ متمسكة بشغفها الأدبي. في تصريحاتها الأخيرة، أوضحت أنها تفكر دائماً في تأليف كتب جديدة، وأنها تأمل في إنهاء كتابها الجديد خلال العام المقبل. ومع ذلك، تعترف بأنها غالباً ما تكون مخطئة في تقدير المدة التي تستغرقها الكتابة، وهو ما يعكس مدى دقة وعناية هذه الكاتبة في صياغة أعمالها.

الأمر الذي يزيد من إصرار هان كانغ هو رؤيتها المستمرة للأدب كمجال لا حدود له، فهي تعمل حالياً على ثلاثة كتب أخرى تأمل في إنهائها قبل بلوغها الستين. لكنها تدرك أن شغفها بالكتابة سيظل مستمراً، فكلما أتمت كتاباً جديداً، تطرأ لها أفكار لكتب أخرى، وهو ما يجعل من الصعب عليها أن تتوقف عن التفكير في القصص والأفكار التي ترغب في صياغتها.

وفيما يتعلق بحياتها الشخصية، كشفت هان كانغ عن بعض الجوانب التي قد تفاجئ القراء. فهي لا تشرب الكحول، وقد توقفت عن تناول الكافيين تماماً لأسباب صحية، كما نادراً ما تسافر على الرغم من حبها للسفر. تلك القرارات تعكس النظام الصارم الذي تفرضه الكاتبة على نفسها، سواء في حياتها اليومية أو في التزامها بالكتابة، وهو ما قد يكون أحد أسرار نجاحها وتألقها في الأدب العالمي.

تأثير الجائزة على الأدب الكوري والعالمي

فوز هان كانغ بجائزة نوبل يعد انتصاراً كبيراً للأدب الكوري، الذي شهد في العقود الأخيرة تطوراً ملحوظاً على الساحة الدولية. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالثقافة والأدب الكوريين، باتت هذه الجائزة علامة فارقة تبرز أهمية الأعمال الأدبية الكورية في تسليط الضوء على تجارب إنسانية وثقافية فريدة.

كما أن الجائزة تعزز الحوار الأدبي بين الشرق والغرب، وتفتح الباب لمزيد من التعاون والتفاعل بين الثقافات الأدبية المختلفة. إذ أن أعمال هان كانغ تسلط الضوء على القضايا الإنسانية العامة التي تتجاوز الحدود الثقافية، وتجعل من الأدب وسيلة للتفاهم والتواصل بين الشعوب.

لا شك أن المستقبل الأدبي لهان كانغ يبدو مشرقاً، فهي تستمر في تقديم أعمال أدبية مميزة تحمل بصمتها الخاصة. وفي ظل توقعات القراء والنقاد، يبدو أن الكاتبة ستظل وفية لعالم الأدب، وستستمر في مواجهة الصدمات الإنسانية والتاريخية بكتاباتها المميزة.

في النهاية، يمثل فوز هان كانغ بجائزة نوبل اعترافاً دولياً بقوة وتأثير الأدب الكوري، وهو ما يعد مصدر فخر لبلادها وإلهاماً للأجيال الجديدة من الكتاب. والأهم من ذلك، فإن هان كانغ تظل نموذجاً للكاتب المتواضع الذي يضع الأدب في قلب حياته اليومية، ولا يتوقف عن التفكير في الكتابة، مما يجعلها واحدة من أبرز الأصوات الأدبية في العالم اليوم.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم