رواية "المـتقاسمـون" للأديب المجري الكبير ميكلوش جورج ساراز هي رواية الغموض والتحدي والمال. هي رواية مليئة بالإثارة والمتعة ولا تخلو كذلك من المشاعر الإنسانية النبيلة ومشاعر الحب الصادقة التى تتهاوى أحيانا تحت وطأة المادة بعنفوانها وقوتها والرغبات الجامحة نحوها إلا إنها لا تلبث أن تقف منتصبة طارحة عنها ما علق بها من نزوة طارئة أو شهوة عابرة.

تتمحور أحداث الرواية حول المال الذي يدفع أبطالها إلى السرقة كي يحصلوا عليه، ولكن ماذا بعد؟ تتوالى الأحداث داخل الرواية في قالب درامي مثير لنكتشف في النهاية أن المال لا يصنع السعادة وأن السعادة قد تجدها في أبسط الأشياء من حولنا، وأن المال لا يستحق أن نعرض أنفسنا للمخاطر من أجله لأنه في نهاية المطاف لن يصنع لنا السعادة. فهاهم قد حصلوا عليه بالفعل من خلال السرقة فهل يشعرون الآن بالسعادة؟ هل يعيشون حياة هانئة؟ إنها سعادة زائفة، سعادة ممزوجة بالشعور بالذنب، فقد كرهوا الحياة وتاقوا إلى تلك الأيام الخوالي التي كانوا فيها صغارا يمرحون ويلهوون في سعادة وهناء رغم شظف العيش وضيق ذات اليد. نلمس هذه الحقيقة في حديث أحد أبطال الرواية إلى صديقه حيث يقول له: "دائما يحدث ذلك. تقتل نفسك بنفسك. تجلس إلى آلة أقوى مما يمكنك تحمله. تغوص أعمق، تحلق أعلى، تقود أسرع، بعيدا عن المكان الذي أنت السيد فيه. حتى إن كنت حذرا، سترحل. تستيقظ ذات صباح ومكعب خرساني على ساقك في قاع الدانوب. أو يأتي المرض المميت، ويمكنك ببحر مالك الذهاب إلى أغلى المستشفيات في العالم الواحدة تلو الأخرى، لتلفظ أنفاسك الأخيرة بعدما يأخذون مالك." ونلمس كذلك شعوره بالذنب حين نقرأ في صفحات الرواية وكأننا نشاهد البطل وهو يلوم نفسه التي أمرته بالسوء: " لم يستطع النوم. هو من كان فخورا بأنه ينام أينما وعندما يريد. أظلته شجرة الليل حتى رفع يده في الظلام فزعا ليلمس أغصانها، لكنه مد يده في العدم، وهناك، على حدود النوم واليقظة، حيث كل شيء مؤكد وغير مؤكد في نفس الوقت، حيث يمكن أن يحدث أي شيء، سأل نفسه: "هل سيكون أبي مسرورا لو رآني الآن؟ هل سيكون فخورا بي أم سيخجل مني؟". ونطالع كذلك في نهاية الرواية هذه العبارة المؤثرة والعميقة والتي تلخص مسيرة الحياة بعد طول عناء وكد: " الآن أنا مثل الصبار. إصيص من التراب يكفيني."

صدرت هذه الرواية الممتعة في نسختها العربية عن الدار المصرية للطباعة والترجمة والنشر في القاهرة، بالتعاون مع وزارة الثقافة ومؤسسة بتوفي الأدبية بالمجر وقد قام بترجمة وتحرير العمل الدكتور عبدالله عبدالعاطى النجار، ومحمد سعد ليلة، وصدرت الرواية في لغتها الأصلية لأول مرة عام 2019 بالعاصمة المجرية بودابست.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم