لندن- حازت الكاتبة البريطانية سامانثا هارفي على جائزة بوكر للرواية عن روايتها الجديدة "أوربيتال"، وهي رواية قصيرة بُنيت حبكتها ضمن أجواء فريدة غير مألوفة على متن محطة الفضاء الدولية. وتفوقت هارفي على عدد كبير من الروائيين البارزين في مشهد أدبي كان مليئًا بالتوقعات والتنافس الشديد، لتحصل بذلك على جائزة نقدية بقيمة 50 ألف جنيه إسترليني (حوالي 64 ألف دولار(.

وصفت هارفي روايتها بأنها "رعوية فضائية"، حيث تنقل القارئ إلى عالم معزول تماماً عن الأرض لكنه مملوء بمظاهرها وأثرها. تدور القصة حول حياة ستة رواد فضاء يعيشون في حيز محدود داخل المحطة الفضائية، مما يجبرهم على مواجهة قضايا تتعلق بالمسافة والانفصال، وأيضًا التأمل في الجمال الهش للأرض التي يطوفون حولها. وفي هذا السياق، تجري الرواية عبر سرد شديد العمق يجمع بين العلوم الحديثة والتأملات الفلسفية حول الإنسانية.

بدأت هارفي كتابة "أوربيتال" خلال فترة الإغلاق الشامل نتيجة جائحة كوفيد-19، وهو ما أثر بوضوح على أجواء الرواية، إذ تجسد مشاعر العزلة والحبس التي عاشها العالم حينها. وقد أوضحت هارفي في لقاء سابق أنها كانت تستمد الإلهام من تجربة الحبس الذي عاشه الجميع أثناء الجائحة، مؤكدة أن كتابة الرواية أتاحت لها وسيلة للهروب من الإغلاق الأرضي إلى فضاء أوسع وأرحب، حيث يبدو الكون محتملاً للجميع.

ترأس لجنة التحكيم الكاتب والفنان البريطاني إدموند دي وال، الذي وصف الرواية بأنها "رواية معجزة تجعلنا نرى عالمنا غريبًا وجديدًا بالنسبة لنا". وأشار دي وال إلى أن العمل لم يقتصر على سرد قصة بسيطة لستة أشخاص محاصرين في الفضاء، بل تعدى ذلك ليحمل دلالات ثقافية وفلسفية عميقة حول مفهوم الأرض والوجود.

من جهتها، قالت جابي وود، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة جائزة بوكر، إن "أوربيتال" جاءت في عام مليء بالتحديات على صعيد الأزمات الجيوسياسية، وفي ظل تصاعد أزمة تغير المناخ، مما جعلها "رواية مفعمة بالأمل وملائمة للوقت وعابرة للزمن". وأضافت وود أن رواية هارفي تعكس "تحولًا أدبيًا" في كيفية استجابة الأدب للتغيرات العالمية الكبرى، لا سيما في ظل تزايد الوعي حول هشاشة الأرض وتبعات الاحتباس الحراري.

تعد "أوربيتال" من الأعمال التي تندرج ضمن الخيال العلمي، لكنها تتفرد بأسلوب أدبي يوازن بين الدقة العلمية والأبعاد الأدبية التي تلامس عمق النفس البشرية. تستعرض الرواية مشاهد متكررة من الشروق والغروب، حيث يمر طاقم المحطة بـ16 شروقًا وغروبًا يوميًا، مما يضفي على النص جواً من الرتابة البديعة، التي تجعلهم محاصرين بتجربة حياتية غريبة. وهذا التواتر الزمني المكثف يدفعهم إلى إعادة النظر في مكانتهم في الكون، وكيفية تفاعلهم مع الطبيعة، ومع بعضهم البعض.

يطرح فوز "أوربيتال" بجائزة بوكر تساؤلات حول مستقبل الخيال العلمي في الأدب المعاصر، ومدى اهتمام الجوائز الأدبية الكبرى بهذا النوع من الأدب الذي أصبح يلقي الضوء على قضايا عالمية تتعلق بالبيئة والهوية والوجود. هذا ويترقب النقاد والمعجبون ترجمة الرواية إلى لغات أخرى وإنتاجها بصيغ فنية أخرى، كالأفلام والمسلسلات التلفزيونية، مما قد يوسع من جمهورها العالمي.

بهذا الفوز، تكون سامانثا هارفي قد أثبتت نفسها ككاتبة تسير بخطى واثقة نحو مجالات جديدة من الإبداع، متجاوزة حدود الخيال العلمي الكلاسيكي لتضع بصمتها الأدبية ضمن المشهد العالمي للخيال الأدبي.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم