القامشلي - المسافة تمضي نحو حتفها الأبدي، والدروب تبكي على الوافدين، وتستقبلهم في الوقت نفسه، لماذا إذا، لا أحد يدري، هي المأساة فقط من رسمت طريق الضياع من جديد، لتستمر الهجرة تسرد تفاصيل الحكاية التي لما تنتهِ بعد، وتفتح الأوردة فمها لتسأل ما الذي ارتكبناه حتى تكافئنا الآلهة بهذا العذاب، لتجيب أصوات المدافع والطائرات بدلاً من الآلهة على هكذا سؤال؛ سيبقى معلقا على الشفاه، ما دامت الرواية لم تكتمل بعد تفاصيل المشهد، وما دامت الحقائب تحمل نفسها قبل النازحين إلى أقاصي الأرض؛ لتحلم ببقعة لا دمار يهددها، أو لا صوت طائرات تنشر الرعب في المكان.

(سرى كانيه) (واشوكاني)، مدينة الميتانيين تتحول إلى خراب بعدما عاثت فيها آلة الحرب، ولعبت مرة أخرى بأرواح أهلها الذين كانوا ينتظرون الشمس لكي تشرق من جديد، إيذاناً بانتهاء الرواية السورية التي حصدت الكثير من تلك الأرواح، لتحتل مخيمات النزوح واجهة المشهد الدامي، ويشعر كل واحد منهم وهو يودع المدينة بأنه قد ودع قلبه، أو أن قلبه قد سقط منه في تلك اللحظة، وأن فخاخ الأرض كلها قد انطبقت على يده لتقطعها لحظة المغادرة، والفراق، ليمضوا تاركين هموما تقبض على أرواحهم، فتمنعهم من إكمال المسيرة نحو الضياع، فيتوقفون وينظرون إلى الخلف، لعلهم يجمعون ما تبقى من مشاهد الحياة في عينيهم عنها، والتي تختصر الحكاية.

آلة الحرب التركية لا تهدأ، وتقتل من تقتل، وشباب وفتيات آلوا على أنفسهم ألا يتركوا المدينة دون أن يريقوا دمهم على ترابها الطاهر، لتتحول سرى كانيه إلى حديقة ورد تحتفي بتلك الدماء، وترفع رأسها عاليا نحو الشمس، لن نموت أبدا، وسنعود إليها مهما فتح الرحيل أبوابه على مصراعيها، محاولة أن تخلق المسافات بيننا وبين سرى كانيه...

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم