روايات تستنطق التاريخ والمسكوت عنه الذي نسيته شعوب المغرب العربي.

الحبيب السالمي وعبدالمجيد سباطة وعبداللطيف ولد عبدالله وأميرة غنيم كتّاب من المغرب العربي يتنافسون على البوكر

في انتظار الإعلان عن الرواية المتوجة بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في نسختها لعام 2021 ينتظر نخبة من الكُتّاب تتراوح أعمارهم ما بين الـ31 والـ70 عاما، ينتمون إلى كل من تونس والأردن والجزائر والعراق والمغرب، من منهم سيكون المتوج بالجائزة التي يهيمن على دورتها الجديدة كتاب من المغرب العربي.

تونس – وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الرابعة عشرة هذا العام ست روايات أغلبها من تونس والجزائر والمغرب، حيث بلغت القائمة روايتان تونسيتان هما “الاشتياق إلى الجارة” للحبيب السالمي و”نازلة دار الأكابر” لأميرة غنيم، ورواية جزائرية بعنوان “عين حمورابي” لعبداللطيف ولد عبدالله ورواية “الملف 42” للمغربي عبدالمجيد سباطة.

وتعالج رواياتهم قضايا هامة ذات صلة بواقع العالم العربي اليوم وخاصة ما يتعلق بالتاريخ والهجرة والهوية، مرسخة التأثير المستدام للأدب في حياة القارئ والكاتب على حدٍّ سواء، ومؤكدة على أهمية السرد المغاربي في الساحة الأدبية العربية، رافدا بارزا من روافدها.

روايتان تونسيتان

يذهب الحبيب السالمي في روايته “الاشتياق إلى الجارة” إلى موضوع شائك يتعلق بالهجرة وأزمة الهوية التي يتعرض لها المهاجرون، من خلال علاقة غير تقليدية بين بطلي روايته.

رجل وامرأة لكل منهما حياته الخاصة، لا شيء يجمع بينهما في الظاهر سوى أنهما تونسيان ويقيمان في العمارة ذاتها. هو في الستين من عمره، متعلم ومتزوج من أجنبية. وهي تصغره بعدة أعوام، ومن وسط اجتماعي متواضع، ومتزوجة من رجل غريب الأطوار. في البداية، يعاملها بمزيج من الحذر والتعالي، ولكن في ما بعد، تتغير قواعد اللعبة، لتنشأ علاقة استثنائية ثرية متقلبة تحتفي بالحياة في أبسط تجلياتها وأجملها، ولكنها تعكس في الآن ذاته تراجيديتها وجوانبها المعتمة.

وتطرح الرواية بشكل ذكي وغير مباشر عددا من الإشكاليات من بينها مشكلة الاندماج عند المهاجرين في أوروبا من خلال مثال المجتمع الفرنسي، فالبطلة زهرة التي تحيا حياة صعبة مع زوج سيّء المزاج وابن محدود الحركة، والبطل كمال الذي يعيش مع زوجة فرنسية بعادات وطباع مختلفة، جعلا منهما باحثين عن ملجئ خارج هاتين الدائرتين اللتين تبدوان مستقرتين لكن صوريّا فقط، فكلاهما يعاني في صمت من التمزق والحياة الزائفة والأقنعة التي تخفي خلفها الكثير من المعاناة والألم جراء عدم قبول الآخر بهم وعدم قدرتهم على الاندماج مع الحفاظ على خصوصياتهم، في مجتمع يدفعهم بعنف إلى التخلي عن ذواتهم.

روايات تعالج قضايا هامة ذات صلة بواقع العالم العربي اليوم وخاصة ما يتعلق بالتاريخ والهجرة والهوية

أما رواية “نازلة دار الأكابر” تتناول من خلالها أميرة غنيم فصولا مهمة من تاريخ تونس المعاصر والمسكوت عنه، من خلال حكاية متخيلة بطلها المصلح الكبير الطاهر الحدّاد.

“الراويةُ” أو “الساردة” الأساسيّة في الرواية هي هند بنت مصطفى النيفر التي جعلت منها الكاتبة حفيدة للحداد، وهي  في الحقيقة حاملة لفكره التحريريّ الذي ولعت به قبلها، خلال ثلاثينات القرن الماضي، جدّتُها زبيدة بنت علي الرصّاع التي كانت تحب المصلح التونسي وتكبّدت من جرّاء هذا الحب الأمرّين.

وعلى الرغم من أن المراجع التاريخية لا تذكر شيئا عن علاقة الحدّاد بالنساء عدا دفاعه المستميت عنهن، فإن صاحبة الرواية تجزم بقوة الخيال أنه عشق “للاّ زبيدة”، وتمنح النساء الصوت الأعلى لرواية الأحداث التاريخية من وجهة نظر ظلت طويلا في طي الكتمان، كونهن حافظات الذاكرة الحقيقية وفاضحات الذكورية البائسة.

ومن خلال هذه الرواية تواصل غنيم الغوص في التاريخ غير الرسميّ لشخصيّات زيّفت الوثائقُ صورتَها في الذاكرة الجمعيّة. أستخرج من المحار العنيد الدرر المنسيّة.

جرائم وتواريخ

Thumbnail

يسترجع الروائي عبداللطيف ولد عبدالله في روايته الموسومة “عين حمورابي” صورا مفزعة ومؤلمة من الذاكرة الجماعية للجزائريين خلال العشرية السوداء، ويغوص في تفاصيل تمازج بسلاسة بين الواقع والفانتازيا.

وتدور حبكة هذا العمل الذي يجمع بين التحقيق البوليسي والخيال بين أحداث واقعية ميزت مرحلة العشرية السوداء في الجزائر وأخرى من الخيال وذلك في فضاء سردي دائري مشبع بالحكي والموت والحركة في الزمان والمكان ومكتظ بالشخوص.

ويروي بطل النص وحيد حمراس حكايته أمام محققين في ثكنة عسكرية لجأ إليها بعد مطاردة عنيفة له من طرف سكان القرية بتهمة تهديمه لقبة ولي صالح “سيد المجدوب”، فيما تتهمه السلطات بالخيانة عبر مساعدة البعثة الأجنبية في سرقة الآثار وكذا بقتل ثلاثة أشخاص من أبناء قريته.

ويتميز المكان الذي تدور فيه الأحداث بوجود مقامين لوليين من أولياء الله الصالحين كل واحد منهما على قمة جبل وهما مقاما “الحراق” و”المجدوب”، حيث يتبارك بهما الناس إلا أن الحفريات أثبتت أن هذين المقامين لا يوجد بهما أي رفات، فهما مجرد هيكلين بناهما الرحالة هاينريش فون مالتسان في القرن التاسع عشر كإشارة إلى موقع أثري مهم يقع في إحدى المغارات، ولذلك دلالة على سطوة الخرافة والشعوذة في المجتمع، ومحاولة الغرب الاستحواذ على تراث مستعمراته.

ويسترجع بطل الرواية الذي يشتغل طبوغرافيا في الموقع الأثري خلال الاستجواب بداية الخيوط الأولى للأحداث أين تلقى اتصالا هاتفيا من زميله في الدراسة الألماني دونالد هاردي يطلب منه المشاركة في بعثة أثرية ألمانية للتنقيب وإجراء حفريات في موقع بمحاذاة قريته التي هجرها منذ ثماني سنوات إلى ألمانيا من أجل البحث عن “مخطوط مالتسان”، وتتوالى بعدها الأحداث في وتيرة كثيفة ومتداخلة أين يتعرض أشخاص للقتل بعد عودته إلى القرية.

وخلال التحقيق الذي كان يبوح فيه وحيد حمراس شيئا فشيئا تنكشف أسرار عن ماضيه الغامض حيث يطرح عليه المحقق سؤالا يخص هوية الجثة التي شوهد وهو يدفنها رفقة المشعوذين نجاة عزرا، حبيبته الأولى، والحمداوي، وكذا سبب اغتياله لعدد من أبناء القرية بطريقة فظيعة ببتر أعضائهم الجنسية.

وتتوضح السمات النفسية للبطل مع كل إجابة، ويكشف الراوي بعناية أغوار شخصيته المضطربة لتتجلى طبقات الحقيقة المدفونة في أعماقه بفعل الصدمة، لتتكشف سيرة ملغمة بالخيبات والخيانة والفصام، فهو ابن غير شرعي للمشعوذ العجوز الحمداوي كما أن الوالد الذي رباه ويحمل اسمه رسميا قتل والدته بعد سنوات من اكتشاف خيانتها.

وبتشابك الأحداث تطفو حقائق كثيرة حول سلسلة الجرائم في القرية ومع كثافة الأسئلة يعرض المحققون صور جريمة بشعة وقعت منذ ثمانية أعوام لامرأة قتلت رفقة ابنتها وابنها الصغير بعد اغتصابهم فينفي وحيد حراس معرفته بهؤلاء رغم أن تلك الصور تعود لزوجته وابنيهما.

Thumbnail

وتتميز رواية “عين حمورابي” بالتداخل بين الواقع والخيال وكذا بنسج محكم للشخوص رغم عددها والانتقال في فضاء زماني ومكاني متداخل ودائري وهي من التقنيات التي أبدع فيها لبناء نصه البوليسي المشوق بلغة سلسة متدفقة ومتراصة.

وتوصف رواية “الملف 42” لعبدالمجيد سباطة بأنها ثلاث روايات في رواية واحدة. حيث توجد عدة طرق لقراءتها، ربما سيرا على نهج الأديب الأرجنتيني الراحل خوليو كورثاسار في رواية “الحجلة”، يمكن للقارئ جمع وتركيب وتفكيك فصول الرواية كما يشاء.

وتستند الرواية على واقعة حقيقية مفجعة، ألا وهي كارثة الزيوت المسمومة بنواحي مكناس في أواخر خمسينات القرن الماضي، والتي تسببت في موت وشلل الآلاف من المغاربة. لكنّ المؤلف يربط الأحداث التاريخية بالخيال، مقدما نسيجا متماسكا بين التاريخي والخيالي.

ورغم تصنيف “الملف 42” ضمن الروايات البوليسية فإن كاتبها لا يوافق رغم ذلك على تصنيفها رواية بوليسية بالمفهوم الكلاسيكي، بل يجدها قريبة بالفعل من الأدب الدروودي المنسوب لتشارلز ديكنز، والمعتمد على حل الألغاز المعقدة، وذلك بالتوازي مع مناقشة مواضيع لها حمولتها الكبرى، وعلى رأسها سؤال الكرامة الإنسانية، التي كانت المحرك الأول لكتابة الرواية.

عن العرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم