صدر حديثًا عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" كتاب بعنوان: "سليم بركات: لوعة كالرياضيات، وحنين كالهندسة"، وهو حوار طويل (182 صفحة) أجراه الشاعر والروائي العراقي وليد هرمز مع سليم بركات.
الحوار شيِّقٌ واسعٌ عميقٌ وعفوي عن تجربة سليم بركات الشاعر والروائي في الكتابة، وعن علاقته بالحياة من تفاصيلها الصغيرة في عزلته كعزلة رهبان الجبال في غابة "سكوغوس" في السويد.
يحتوي الكتاب، أيضًا، 3 مقالات.
قدَّم للكتاب الناقد السوري سامي داوود، الذي نقتطف من مقدمته: "ما هي الأسئلة التي يمكنها أن تتشكل عبر التجربة الأدبية الأكثر فرادة لكاتب بمكانة سليم بركات؟ تستدعي المتانة الإبداعية للأدب الذي قدمه بركات شعريًا وروائيًا، الإلحاف بالأبعاد التي ساهمت في بنينة كيانه الثقافي. وكيف أمكنه أن يأخذ من التراث والثقافة المعاصرة ما شاء، من دون أن يكون مشابهًا لكليهما. وما هي الأنساق التي تجاذبت لتتقاطع في النقطة التي هي أدبه الفريد والمفارق. هذا الكشف مشروط بأمرين: المعرفة العميقة بالأدب، والصحبة التي بها يمكن لسليم أن يحاور محاوره. وهو ما يتوفر في هذه الحالة لدى الشاعر العراقي وليد هرمز.. وتضيء هذه المحاورة النقاط الأساسية التي اشتغلت كإشارات لوجهة النص الذي قدمه بركات إلى الأدب الإنساني. وكذلك على شخصية سليم الحياتية والإبداعية".

من أجواء الكتاب:
(*) سؤال: وُلِدتَ وترعرعتَ، في الشِّمال السوري، "مدينة القامشلي"، وكتبتَ كثيرًا عن الشمال السوري المُضيَّع، لكنكَ واسيتهُ بشمال آخر: "الشمال القبرصي" برواية "الريش"، والثلاثية الرائعة: "عبور البشروش"، و"الكون"، و"كبد ميلاؤس". مع ذلك، لم يهدأ لك بال لفقدك "شمالك الأول"، فأتيت إلى الشمال الأسوجي بأعمال روائية أخرى: "السلالم الرملية"، و"هياج الأوز"، و"موتى مبتدئون". أخطَرَ على بالك، يومًا، أن مستقرك النهائي في هذا العالم سيكون في آخر شمالات العالم ـ الشمال الإسكندنافي؟ هل تشعر أنك أنْصفْتَ الشمال الأول ـ شمال الألم ـ أم استعدته، بنجوى اليأس، مُقايضةً، بإقامتك الأخيرة في الشمال السويدي الفاحش؟
إن أغمضتُ عينيَّ، أو فتحتهما، يكُنِ الشمالُ ـ الجهةُ صورتين: السهول من حول مدينتي قامشلو في الشمال السوري، والبياض المترامي في شمال العالم بآثارٍ من قدَميْ إنسان الجليد عليه.
ظننتُ أنني "أروِّض" الشمالَ استحواذًا عليه في مكان واحد حيث ولدتُ. خصَّصتُه بالكثير من العودة إليه بشبحي: شمالٌ فوضى أرتِّبه. شمالٌ منتظم أبعثره. لا قانونَ إلاَّ الخيال حاصدًا ما يقْدِر على حصاده. لكنني فوجئتُ بما يجاوز تقديري: أنا متَّجه إلى الشمال كإبرة البوصلة في الفخر الفيزيائيِّ بالجاذبية.
قبرص الجزيرة لم تكن شمالًا على التحديد، بل خابيةً ملأتُها بنبيذٍ من شمال قلبي السوريِّ، قبل الهجرة من جزيرة النحاس، منذ إحدى وعشرين سنة، إلى شمالٍ آخر على قُرْبِ أشبارٍ من نهاية الأرض، التي إن ظلَّلتُ عينيَّ بيديَّ من الشمس المتقشِّفةِ ضياءً، أو الركيكةِ ضياءً، لاستطعت رؤيةَ الدِّببة البِيْض متزلجةً تلهو على الجليد، بعد شبعٍ من التهامها فراخَ حيوان الفقمة.
الإيمانُ بالأمكنة معضلةٌ. الحنينُ معضلةٌ. نحن بَشَرُ المُعضلات.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم